رئيس التحرير
عصام كامل

في ذكرى ميلاد مصطفى محمود.. محطات في حياة صاحب العلم والإيمان.. «المشرحجي» أول ألقابه داخل الجامعة.. تعرض للمحاكمة بسبب «عبد الناصر».. ويكشف رحلته من الشك لليقين في الأديان (فيديو

فيتو

لا يعلم الكثيرون عن مصطفى محمود سوى أنه ميدان من ميادين الجيزة الرئيسية يقع في حي المهندسين، الأمر ليس كذلك، فهو أديب وصاحب برنامج العلم والإيمان، وصل عدد أعماله إلى 89 كتابا متنوعا بين الدين والعلم والفلسفة وعلم الاجتماع والسياسة والرواية والقصة والمسرح، واليوم يحل الذكرى 97 من ميلاده.


الميلاد
ولد مصطفى محمود في 27 ديسمبر 1921، في ميت الكرماء بمحافظة الدقهلية، بجوار مسجد «المحطة» الشهير الذي يعد أحد مزارات الصوفية الشهيرة في مصر، وأنشأ وهو صغير في منزل والده معملا صغيرًا يصنع فيه الصابون والمبيدات الحشرية ليقتل بها الحشرات، ثم يقوم بتشريحها، وحين التحق بكلية الطب اشتهر بـ«المشرحجي» لبقائه لفترات طويلة في المشرحة أمام جثث الموتى، ما كان له أثر بالغ الأثّر في أفكاره وتأملاته حول الموت وخروج الروح من الجسد.



من الطب إلى الأدب
كشف مصطفى محمود، خلال أحد البرامج الحوارية، كيفية تحوله من الطب لكتابة الأدب والفلسفة، قائلا: «كانوا بيسموني المشرحجي، لولعي بالتشريح خلال السنوات الأولى في كلية الطب، مضيفًا: «في الإجازة اشتريت نص بني آدم بـ60 قرشا، واشتريت مخ بـ20 قرشا وحطيت مع الفورمالين تحت السرير، وعلى أثرها جتلي التهابات في الصدر، وقعدت ثلاث سنوات مريضًا، لكن اللي حصل لي في الثلاث سنين دول أني قريت الأدب العالمي كله: الروسي – الفرنسي – الإنجليزي – الأمريكي، التلات سنين هما اللي صنعوا الشخص اللي قدامكم، طلعت شخص مختلف متأمل بيكتب».



ويضيف محمود: «أيامها قابلت العقاد وعرضت عليه 30 قصة من قصصي، قرأها بدهشة، وقال لي كلام جميل، وقدمني للزيات اللي ماسك مجلة الرسالة، ونشر لي قصتين سنة 47، وابتدت من هنا الخطوة الأولى للكاتب الأديب، وغرق الكتاب في علم الفلسفة الذي كان سببا في تعرضه للكثير من الأزمات».

تعرضه للمحاكمة
تعرض الكاتب الكبير للمحاكمة بعد كتابته سلسلة من المقالات جمعها في كتابه «الله والإنسان»، واعتبرها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قضية كفر وحوله للمحاكمة، واكتفت محكمة أمن الدولة بمصادرة الكتاب دون أن توضح أسباب الحكم، وعقب رحيل عبدالناصر أبلغ الرئيس الراحل أنور السادات مصطفى محمود بإعجابه بالكتاب فطبعه من جديد تحت عنوان «حوار مع صديقي المُلحد» وهو ما أثار الجدل ضده مجددا، وتم اتهامه بالإلحاد كما أثارت مقالات أخرى له جدلا كبيرا، وطالته اتهامات بإنكار الشفاعة والتشكيك في القرآن الكريم، والأحاديث النبوية.


مصطفى محمود والوجودية
بعد قراءات عديدة في الفلسفة، قال مصطفى محمود عن الوجودية: «احتاج الأمر إلى ثلاثين سنة من الغرق في الكتب، وآلاف الليالي من الخلوة والتأمل مع النفس، وتقليب الفكر على كل وجه لأقطع الطرق الشائكة، من الله والإنسان إلى لغز الحياة والموت، إلى ما أكتب اليوم على درب اليقين».

30 عامًا من المعاناة والشك والنفي والإثبات، ثلاثون عامًا من البحث عن الله!، قرأ وقتها عن البوذية والبراهمية والزرداشتية، ومارس تصوف الهندوس القائم عن وحدة الوجود، حيث الخالق هو المخلوق، والرب هو الكون في حد ذاته، وهو الطاقة الباطنة في جميع المخلوقات".



الثابت أنه في فترة شكه لم يلحد فهو لم ينفِ وجود الله بشكل مطلق، لكنه كان عاجزًا عن إدراكه، وهذه التجربة صنعت منه مفكرًا دينيا.

من الشك إلى اليقين
ظل الكاتب الكبير هكذا حول الحياة والموت إلى أن تغيرت كل حساباته، حيث يروي مصطفى محمود واقعة غريبة غيرت حساباته وموقفه من الدين، قائلا: «تلقيت تليفون وأنا نايم من المرحوم جلال العشري، بيقول لي أنت نايم أنا آسف وقفل، وحطيت أنا كمان السماعة ونمت فورًا، وحلمت أن جلال العشري ماشي في شارع سليمان باشا ومعاه الزميل شوقي عبدالعليم، والاتنين بيتكلموا نقد لأحد الكتب، وصحيت كلمت جلال العشري وقلت له شفتك ماشي في شارع سليمان، فقال لي ده حصل فعلا، أنا جالي ذهول وابتديت أعيد النظر في كل شيء، لأن ده معناه أني شفت من غير عينين وسمعت من آذان، وبدأت الحكاية وقرأت في الهندوسية إلى أن اهتديت إلى القرآن الكريم».


حياته الشخصية
تزوج في عام 1961 وانتهى الزواج بالطلاق ورزق بولدين هما: "أمل" و"أدهم"، ثم تزوج مرة ثانية عام 1983 وانتهى أيضا بالطلاق عام 1987.

قال في مذكراته عن زوجته الأولى السيدة سامية، إنها نصفه الآخر الذي لازمه قرابة 10 سنوات، وكان أكثر ما يؤرق حياتهما أنها كانت غيورة رغم أنها كانت تصغره بـ 15 عاما، واجه الانفصال الأول في حياته بدبلوماسية، بعد أن أصبحت الحياة الزوجية مستحيلة لتبنيها للغيرة القاتلة، ثم تزوج بعد ذلك من السيدة زينب حمدي واستمرت الزيجة الثانية 4 سنوات، وكان فرق العمر بينهما 25 عاما.

علاقته بالرؤساء
علاقة مصطفى محمود بالرؤساء كانت مختلفة إلى حد كبير، يقول في كتابه سقوط اليسار: «هناك من يقولون إن عبدالناصر ليس مسئولا عن الفساد والتدمير والإهمال والرشوة والخراب الذي وصل بنا إلى ما نحن فيه".



أما الرئيس الراحل محمد أنور السادات فقد كان صديقا شخصيا له، ولم يحزن على أحد مثلما حزن على مصرعه، يقول في ذلك: «كيف لمسلمين أن يقتلوا رجلًا رد مظالم كثيرة وأتى بالنصر وساعد الجماعات الإسلامية ومع ذلك قتلوه بأيديهم».

وفاته
توفي في 31 أكتوبر 2009 بعد رحلة علاج استمرت عدة شهور عن عمر ناهز 88 عامًا، وقد تم تشييع الجثمان من مسجده بالمهندسين ولم يزره أيٌّ من المشاهير أو المسئولين، ولم تتحدث عنه وسائل الإعلام إلا قليلا مما أدى إلى إحباط أسرته.
الجريدة الرسمية