هجرة العقول ونزيف الثروات (2)
استكمالا لما تناولناه في المقال السابق حول زيادة هجرة العقول النابغة من الدول النامية إلى المتقدمة سوف نتناول في السطور التالية الأسباب والنتائج المترتبة على هجرة أعظم العقول من الجنوب إلى الشمال؟ وما هي الإستراتيجيات التي وضعتها بعض الدول لاستعادة أعظم ثرواتها وهي العقول المهاجرة؟
الأسباب التي أدت إلى هجرة العقول العظيمة من الجنوب إلى الشمال عديدة وتختلف من دولة إلى أخرى، لكن لها سمات عامة أهمها:
أولا: الفقر الشديد في معظم بلدان الجنوب وبالتالي ضعف المرتبات وانخفاض مستوى الدخل وتردي مستوى المعيشة.
ثانيا: الفجوة التكنولوجية والعلمية الواسعة بين دول الجذب (الشمال) ودول الطرد (الجنوب).
ثالثا: استقرار النظام العام وثبات القواعد الأكاديمية والحرية الفكرية والشفافية وتشجيع المجتهد والعمل بروح الفريق وهي عوامل تفتقر إليها دول الجنوب.
رابعا: احترام العلماء والاهتمام بهم وتسخير كل طاقات المؤسسات الحاكمة لتذليل كل العقبات أمامهم لدفعهم للأمام، على عكس دول الجنوب التي لا تولي اهتماما كبيرا بالعلماء وتسفيه آرائهم وأحيانا تبعدهم عن الحياة العامة.
خامسا: المناخ الطارد للكفاءات في معظم دول الجنوب، وانتشار الفساد والمحسوبية، وتعظيم دور الأقدمية على الكفاءة، وأهل الثقة على أهل الخبرة، وهي عوامل تقتل الإبداع وتشيع الأحباط وتطرد المتميزين.
ما النتائج المترتبة على هجرة العقول من دول الجنوب إلى دول الشمال؟
أهم النتائج المترتبة على ذلك هي اتساع الفجوة العلمية والتكنولوجية وتعميق الفوارق الاجتماعية والثقافية ومستويات الدخل ونمط الحياة بين بلدان الجنوب الفقيرة وبلدان الشمال الغنية، وهذا الفارق الرهيب يؤدي بدوره إلى موجات جديدة ومتتابعة من هجرة العقول من الجنوب إلى الشمال، أي إن الفقير يزداد فقرا وتخلفا والغني يزداد تقدما وغنا.
والسؤال الأخير هو: هل من سبيل إلى إعادة الاستفادة من العقول المهاجرة وجذبها مرة أخرى إلى بلدانها الأصلية؟
والإجابة نعم، هناك طرق كثيرة اتبعتها بلدان أهمها الهند والصين وتتلخص في الآتي:
أولا: إصلاح البيئة الداخلية للجامعات ومراكز الأبحاث وإنشاء مراكز تميز على غرار المراكز الكبرى في دول الشمال، ونشر أبحاث علمية من تلك المراكز في كبريات الدوريات العالمية.
ثانيا: التواصل مع العقول المهاجرة لزيارة تلك المراكز المتميزة، وعمل شراكة معهم لاستقبال ورعاية الباحثين الجدد من خريجي تلك المراكز لاكتساب خبرات المراكز المتقدمة في دول الشمال.
ثالثا: اجتذاب من يقبل من العقول المهاجرة للعودة إلى أرض الوطن الأم، لنقل كل الخبرات من المراكز الأجنبية إلى المراكز الجديدة التي نشأت خصيصا لهم، وتذليل كل الصعاب لكي يبدعوا في بلدانهم.
رابعا: دمج العائدين من دول الشمال في المجتمع وتمكينهم من المساهمة في حل مشكلات بلدانهم وتولي المراكز القيادية والاستشارية العليا وتشجيعهم على مواصلة العمل على نفس المستوى الذي كانوا عليه قبل عودتهم.
خامسا: نقل خبرات مراكز التميز إلى أماكن جديدة ومجالات جديدة لكي يشمل التميز حيزا أكبر ومجالات أوسع وتعم الفائدة.
وبهذا أصبح في الهند والصين مراكز تميز اليوم تضاهي أعظم المراكز في أوروبا وأمريكا.
أدعو الله أن نحذو حذو الهند والصين في استعادة الطيور المصرية المهاجرة.