ليبيا والسودان.. والأمن القومي المصري!
لا بد من الاعتراف بأن العدو الأمريكى –الصهيونى قد استطاع وبمهارة كبيرة ضرب الأمن القومى المصرى، سواء بمعناه الواسع الذي أدركه الزعيم جمال عبد الناصر من خلال قراءة واعية للتاريخ المصرى القديم والحديث، وهو ما جعله ينظر للأمن القومى المصرى وفق ثلاث دوائر رئيسية.
الأولى هي الدائرة العربية، والثانية هي الدائرة الأفريقية، والثالثة هي الدائرة الإسلامية، وكانت بداية ضرب الأمن القومى المصري بمعناه الواسع على أيدى السادات ومن بعده مبارك، عبر إدراكهما الضيق للأمن القومى المصرى والذي يتخندق حول الحدود الجغرافية القطرية.
وكانت هذه هي الخطوة الأولى لضرب الأمن القومى بمعناه الواسع الذي استخدمه بمهارة ووعى الزعيم جمال عبد الناصر، حيث انتهت نظرية الدوائر الثلاث للأمن القومى بقطع العلاقات مع الدائرة العربية عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع العدو الصهيونى برعاية العدو الأمريكى، ثم إهمال الدائرتين الأفريقية والإسلامية في الوقت الذي دخل العدو الأمريكى –الصهيونى ليملئ هذا الفراغ.
وبعد نجاح الأمريكان والصهاينة في ضرب الأمن القومى المصرى بمعناه الواسع، بدأت مرحلة جديدة لتضيق الخناق علينا لضرب أمننا القومى بمعناه الضيق عن طريق إشعال النيران في محيطنا الجغرافى، فالحدود الشرقية المصرية مشتعلة دائما بفعل الوجود الصهيونى على الأرض العربية الفلسطينية.
ومع انطلاق شرارة الربيع العربي المزعوم اشتعلت النيران على حدودنا الغربية بعد التخلص من القائد الليبي معمر القذافى الذي وقف في وجه العدو الأمريكى بصلابة لما يزيد عن أربعة عقود، حمى فيها البوابة الغربية للأمن القومى المصرى، لذلك كان لابد من التخلص منه، والآن أصبحت ليبيا العربية مرتعا للجماعات الإرهابية التي تعمل بأوامر العدو الأمريكى وحلفائه الإقليميين والدوليين، الذين يسعون دائما إلى استمرار النيران مشتعلة بالداخل الليبي حتى يظل الأمن القومى المصري في خطر.
وبالطبع لا بد وأن تكون الحدود الجنوبية مشتعلة بعد النجاح في تقسيم السودان بوابتنا الرئيسية للقارة الأفريقية إلى دولتين، ثم يقومون الآن بإشعالها مجددا في محاولة لعملية تقسيم وتفتيت جديدة من ناحية، ومحاولة نقل الجماعات الإرهابية للسودان بعد فشل مهمتها في سورية، لتأخذ أنفاسها وتستعد للقيام بمهمة جديدة يحددها العدو الأمريكى الراعى الرسمى للإرهاب في العالم، وبالتالي يظل الأمن القومى المصرى في حالة تهديد مستمر.
وبعد مرور ما يقرب من ثمانى سنوات على هذا الربيع المزعوم انكشفت كل خيوط المؤامرة الأمريكية – الصهيونية، والمؤلم حقا أن تنكشف معها الأدوار الوظيفية لبعض الدول العربية، فالدائرة العربية كلها أصبحت مشتعلة بالنيران (العراق وليبيا وسوريا واليمن والسودان ولبنان) وشبح التقسيم والتفتيت ينتقل كالوباء من بلد عربي إلى آخر..
وإذا كانت الرجعية العربية كما أطلق عليها الزعيم جمال عبد الناصر تقوم بهذه الأدوار الوظيفية في الخفاء، فقد انتقلت في هذه المرحلة للعمل في خدمة المشروع الأمريكى – الصهيونى في العلن، فلا عجب أن يخرج رموز هذه الرجعية ليعلنوا أمام العالم أجمع أنهم يمولون الإرهاب في الدول العربية التي اشتعلت فيها النيران، أو أن يعلنوا الحرب عليها ويقومون بضربها ويهددون غيرها بالضرب.
هذا إلى جانب دورهم المخزى في ضرب الدائرة الأفريقية ومساهماتهم في بناء سد النهضة المخطط له أمريكيا وصهيونيا لضرب الأمن القومى المصري في مقتل عبر شريان حياة المصريين وهو نهر النيل، وبالطبع لم تنجُ الدائرة الإسلامية من تآمرهم عبر إشعال الفتن ومساعدة تركيا على إحياء حلم دولة الخلافة، في ذات الوقت الذي تروج فيه لأطماع إيران في إقامة دولة شيعية في المنطقة في مواجهة الدولة السنية في الوقت الذي انكفأت فيه إيران على نفسها لبناء مجتمعها لتصبح قوى ذات وزن يهدد المشروع الأمريكى – الصهيونى وبالطبع العلاقات المصرية مع تركيا وإيران في أسوأ مراحلها.
وفى ظل هذه الأجواء المهددة للأمن القومى المصرى بواسطة المشروع الأمريكى – الصهيونى أصبحت مهمة مصر صعبة للغاية من أجل الحفاظ على أمنها القومى سواء بمعناه الضيق أو الواسع، لذلك فعليها أن تتحرك بحذر شديد وسط النيران المشتعلة، خاصة في محيطها الجغرافى، فيتوجب عليها أن تتدخل دائما لرأب الصدع بين الفصائل الفلسطينية ودعمها حتى تتمكن المقاومة من مواجهة العدو الصهيوني وبالتالى تؤمن البوابة الشرقية المصرية.
والمهمة الآن في ليبيا أصبحت صعبة للغاية لكنها ليست مستحيلة فلا بد من دعم كل من يسعى إلى لم الشمل الليبي خاصة حركة المستقبل الليبية التي تسعي للمصالحة الوطنية الشاملة، وجمع وتنظيم ونزع السلاح، وإعادة الأعمار والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وبناء دولة القانون والمؤسسات، وهذه الحركة سبع اللاءات أساسية هي: لا لتقسيم ليبيا والتبعية للأجنبي، لا للإرهاب، لا للجماعات المسلحة وعسكرة الدولة، لا للسجون السياسية، لا للعمل السري، لا للعبث بمقدرات البلاد والأجيال اللاحقة، لا للزعامة الفردية والقبلية، وعبر نجاح هذه الحركة تعود ليبيا إلى وضعية الاستقرار، وبالتالى تؤمن البوابة الغربية المصرية.
وبالطبع تفجير واشتعال النيران في السودان ليس في مصلحتنا ولا بد من التدخل السريع لإطفاء هذه النيران عبر مجموعة من النصائح للبشير وحكومته للاستجابة للمطالب الشعبية المشروعة، والتأكيد للشعب على أن هناك قوى خارجية تسعى لإشعال النيران بواسطة الجماعات الإرهابية بالداخل، وأن الإطاحة بالبشير وحكومته لن تحقق للشعب مطالبه، بل ستزيد من تفاقم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وما حدث في مصر وليبيا واليمن خير شاهد وخير دليل، وبنجاح هذه المهمة تستقر الأوضاع في السودان ونطمئن على البوابة الجنوبية.
وبعد إعادة الاستقرار للأمن القومى المصرى بمعناه الضيق، نتوجه مباشرة ترميم علاقاتنا على مستوى الدوائر الثلاث العربية والأفريقية والإسلامية، وبذلك نستعيد أمننا القومى بمعناه الواسع، اللهم بلغت اللهم فاشهد.