رئيس التحرير
عصام كامل

هو نبي الفوضى.. لماذا لا نرى ذلك؟


إنه يسحب القوات من سوريا، إنه يسحب نصفها من أفغانستان، وزير دفاعه يستقيل، رئيس موظفي البيت الأبيض يستقيل، وزير خارجيته يستقيل، مندوبته في مجلس الأمن تستقيل، من هو وكيف هو؟!


ليس مهما هذان السؤالان، لأن هناك سؤالا واضحا ومحددا، يحتاج إجابة من جهابذة العقل والنقل، يفرض نفسه بقوة، بينما البشرية تصحو كل يوم وتجد نفسها في دوامة من الحيرة والأعاصير السياسية:

هل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.. الرئيس الخطأ في الزمان الصح؟ أم هو الرئيس الصح في الزمان الخطأ؟ أم هو الرئيس الخطأ في الزمان الخطأ؟

باعتبارنا خارج نطاق الجهبذة، ولأننا من مفردات تلوكها الأعاصير وتكتوي بنيران التقلبات اليومية والإستراتيجية لدونالد ترامب، نجد أنفسنا مواجهين بضرورة طرح الأسئلة السابقة، والتأمل فيما يفعله أو لا يفعله رئيس وصفه الأطباء النفسيون في أمريكا وفي بقاع مختلفة من العيادات العالمية المتخصصة... بالمريض!

بالطبع أن تصف تصرفاته أنها هوجاء، وأنها وليدة دماغ طاقق، وأنها عشوائية، وأنها خارج الإستراتيجية الأمريكية، بل يمكنك الذهاب إلى أبعد من ذلك وتتفق مع ما وصفه به معظم، إن لم يكن كل الذين عملوا معه، وتقول إنه منعدم الكفاءة، ولا يليق بالمنصب، وإنه خسارة للولايات المتحدة، وللغرب عموما!

هذا الرجل يحتل رأس قائمة التناقضات، لكنه ثابت على أمر واحد هو كم دولار ستدخل الخزينة الأمريكية، لم لا نعتبره صاحب رؤية vision ؟

ولأنها رؤية مادية شعبوية، فإنه مبتذل وفج وبدائي في الطرح والمطالبة، ربما يكون كل هذا صحيحا، لكنه بالقطع يعرف ماذا يفعل، ويعرف من تتطابق رؤاه معه، وهل هو عون له أم عين عليه ناكرة ومستنكرة، أو لسان ناقم ناقد لتصرفاته؟ نعم هو يغير وزراءه ومساعديه ومعاونيه داخل إدارته، وداخل البيت الأبيض نفسه كما يغير قمصانه وأحذيته، وآراءه، لكن هذا ما هو عليه.. ولقد أجبر العالم الغربي على أن يتابع خطاه، مستنكرين، أو مؤيدين، هو لا يكترث، فالمهم عنده: كم ستدفع؟

كل ما يفعله من سحب القوات الأمريكية في سوريا وفي أفغانستان، رغم المعارضة الضارية من جنرالاته، هو تنفيذ أجندته الانتخابية التي دخل بها سباق الرئاسة عام ٢٠١٦، واختاره الناخبون الشعبويون على أساسها، وهو لم يخذلهم، وهو أيضا يفعل ذلك وعيونه على سباق انتخابات ٢٠٢٠، حتى لا يحاسبه أنصاره، حتى يعاود البقاء في البيت الأبيض.

ينبغي ألا يغيب عن البال قط أن ترامب حدد جمهوره، يحبهم ويحبونه، وهم جمهور موجود الآن ليس فقط في الولايات المتحدة، بل هم في باريس وفي إسبانيا وفي بلجيكا، إنهم الشعبويون، وهو يعرف أنه رئيس شعبوي، خارج المنهج وخارج النظريات، جئ به رفضا للنخبة السياسية في مؤسسات واشنطن وهو تجسيد كامل لكراهية الثقافة السياسية السائدة في أمريكا، بل يناطح جذورها في القارة العجوز أوروبا، المزاج العالمي شعبوى في معظم الديمقراطيات الغربية، وهو ما نراه الآن من قلاقل، سوف تسفر في نهاية المطاف عن مخاض هائل يلد قادة للتطرف اليميني العسكري يشعل المسرح السياسي الدولي.

البيئة الحالية حاضنة لإعادة إنتاج النازية الجديدة والموجات العنصرية، وكراهية الأجانب، ومعاداة السامية، ترامب ليس إلا أحد أنبياء الفوضى... علينا أن نحترم التداعيات وأن نتهيأ للتعامل معها!
كيف؟ تلك قضية أخرى!
الجريدة الرسمية