رئيس التحرير
عصام كامل

نعمة أم نقمة: اللعب في الجينات؟


يمكنك تعديل ما تكتبه بالحذف أو بالإضافة، ويمكنك تعديل ما تصوره بالحذف وبتغيير الإيقاع، لكن هل يمكنك تعديل مفردات وراثية فيما خلقه الله؟


لن يتحقق ذلك أبدا إلا بعلم أتاحه الله، وفيما يبدو فإن الصين ستكون أول دولة في العالم نجح أحد علمائها ممن تعلموا في جامعتي "رايس" و"ستانفورد" في تعديل جينات تسعة أجنة، لتخليصها من الإصابة بمرض نقص المناعة المكتسب، الاسم العلمي لمرض الإيدز.

أعلن ذلك الطبيب الصيني "هي جيان كوى" في مؤتمر (القمة الدولي الثاني لكبار العلماء حول تعديل الجينوم). عقد المؤتمر في جامعة هونج كونج الثلاثاء قبل الماضي، والجينوم هو الخريطة الكاملة للجينات في الآدمي، واكتشفت في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بل كلينتون.

علماء كثيرون يهاجمون الآلية الجديدة التي أخذ بها العالم الصيني "هي"، واعتبروا أن تعديل الأجنة ينطوي على خطر الإصابة بأمراض مجهولة مستقبلا، وفضلا عن ذلك فهو عمل يخالف الضمير ومحظور قانونا في أي دولة في العالم، بل محظور في الصين ذاتها.

لعل هذا التحريم القانوني في دولة صارمة مثل الصين هو السر في ظهور حالة التكتم والحذر التي بدت واضحة في كلمة الباحث الصيني، فهو اتسم بالغموض والإيجاز، ولم يكشف أبدا عن المجلات العلمية التي نشر فيها بحثه الجديد، ولا الأشخاص الثمانية، ذكورا وإناثا الذين أجرى عليهم تجاربه، الذكور مصابون بالايدز، والزوجات سليمات، ولما تم الحمل، كان الجنين خاليا من الجين المسبب لامكانية الإصابة بفيروس الايدز.

بالطبع أيضا، فإن العالم شهد منذ العام ٢٠١٢ تقنية تسمى كريسبر CRISPER لتعديل الحمض النووي البشري بتكسير إحدى حلقاته ودس حلقة من DNA الأم أو الأب عليه، ما يصدم العلماء حقا هو جرأة الباحث الصيني على إعلان جريمة علمية تتحدى الأخلاق، وافتخاره أنه نجح في تغيير جينات (لولو ونانا)، طفلتين توءم لتخليصهما من جين الإصابة بالايدز!

ولأن الأبحاث غير قانونية فإنه أكد للحاضرين أن الجامعة الصينية للعلوم والتكنولوجيا لم تكن على علم بما يبحثه، وأكد أنه هو الذي مول البحث حتى توصل لهذه النتائج الثورية.

ماذا يعني تعديل الجينات البشرية في حقيقة الأمر؟

يعني التعديل أن الباب صار مفتوحا للعب في كل السمات الشكلية والعضلية والعصبية والصحة والمرض في الإنسان، يعني أنه يمكن تخليق نصف إنسان ونصف حيوان، يعني أن الأبحاث العسكرية يمكن أن تعمل على توليد الجندي السوبر، وهو ما تنبأت به أفلام كثيرة في حقبة التسعينيات وما قبلها، يعني كل شيء وأي شيء، يعني إطلاق الوحش العلمي!

بطبيعة الحال، فإن الولايات المتحدة تبدو في حال من الهلع، بسبب الخطة التكنولوجية التي أعلنت الصين أنها ستحققها بحلول عام ٢٠٢٥، وما الحرب التجارية الضارية التي بدأها ترامب ضد الصين سوى حزمة من الضغوط لتعطيل تبوأ الصين السيادة التكنولوجية في العالم بحلول ذلك العام المرتقب، وبالفعل أبطأت الصين من اندفاعها التكنولوجي لاستيعاب الهجمة التجارية الأمريكية، ونقول أبطأت.. لكنها لم تتوقف.

يحدث هذا حولنا ونحن بعد نمضغ ثقافة التفاهة والضحالة والقضايا العفنة التي تجافي أي منطق!
دام علينا التخلف بما نزرعه في أولادنا وفينا من جهل وسطحية!
الجريدة الرسمية