التعليم من شباك الوزير
الفارق بين النظرة التي ينظر بها الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، والنظرة التي ينظر بها منتقدو سياسات الوزارة وآليات التنفيذ للمشروع المطروح هو زاوية الرؤية، فالوزير ينظر عبر نافذة مكتبه من لوح الزجاج الخادع ذلك اللوح الذي يعكس ما يقدمه عدد محدود من المحيطين بالوزير، وهؤلاء الأشخاص هم من اختارهم بنفسه ويضع ثقته فيهم، وسبق وأطلق عليهم فريق أحلامه، هذا الفريق الذي لم يصمد بعض عناصره طويلًا، وسرعان ما كشفت الجهات الرقابية عبر متابعتها الدقيقة للأمور داخل الوزارة ما يستوجب استبعاد بعض العناصر الرئيسية من فريق الأحلام.
في النافذة نفسها هناك لوح زجاجي شفاف؛ لكن يبدو أن النظرة منه تؤذي لأنه يكشف الصورة الحقيقية والواقع الذي آل إليه حال التعليم المصري بعد أكثر من عام ونصف العام، النافذة من هذه الزاوية تعكس أوضاع الترهل الإداري داخل ديوان عام الوزارة، والحالة التي تشبه الانفصام بين الديوان الذي يمثل رأس الوزارة، وبين المديريات والإدارات التعليمية، تلك الزاوية من الرؤية تكشف الستار الذي تضعه العديد من المؤتمرات والفعاليات التي عقدتها الوزارة خلال الأشهر الماضية، حتى بات البعض يطلق عليها وزارة "الإيفنتات"..
لأن الشارع لم يرَ منتجًا على الأرض يلمس الطالب وولي الأمر بخلاف التصريحات البراقة والوعود التي لا يتم تنفيذها، وإذا تم تنفيذها وواجهت مشكلات فهناك آلاف الأسباب التي يسوقها فريق من المبرراتية الذين ابتلي بهم ملف التعليم خلال الفترة الحالية، الذين يرون الفشل في أسباب أخرى بعيدة عن المسئول القابع على الكرسي، ويرون كل نقيصة في الآخرين أما دائرة الوزير ومن يحظون بحمايته فهم في وجهة نظر هؤلاء لا تقترف أيديهم الخطأ وسياساتهم بعيدة عن الباطل.
النافذة التي لا يرغب الوزير في فتحها تزيح ستار لتكشف الإخفاقات المتوالية في كل الملفات، كما تزيح الستار عن واقع آخر غير الوهم الذي يعيشه البعض واقع قوامه أزمات كبرى في تنفيذ المنظومة التعليمية، بينما النافذة التي يحب الوزير النظر منها تفتح مجال الرؤية على تقارير "كله تمام"، وعند تلمس الأزمات يكون الأمر هينا من خلال "تتفية" المواضيع الجادة، والتقليل من حجم أي كارثة أو أي مشكلة تعليمية.
تلك النظرة لا ترى أن الوزارة أهملت ملف صيانات المدارس، وتراجع مستوى الأداء في إنشاء فصول جديدة، وتراجع مستوى الأداء الإداري في المديريات والإدارات التعليمية وانعكس ذلك بالسلب على المدارس، وتوحشت المدارس الخاصة وتضخمت جيوب أصحابها على حساب أولياء الأمور، تلك النافذة لا ترى أن المعلمين المكلفين بتدريس مناهج المنظومة الجديدة لا يستطيعون التفرقة بين إستراتيجيات التعلم والأنشطة الصفية والأنشطة اللاصفية بسبب ضعف التنمية المهنية.
ولا ترى أن أغلب المدارس الابتدائية تدرس مناهج المنظومة الجديدة بطرق التدريس القديمة وهو ما يهدر أي جهد، ولا ترى أيضًا معاناة المعلمين في ظل تدني رواتبهم إلى أضعف المستويات، وبالتالي أصبح الغالبية من المعلمين لا يكترث بما يقدمه للطلاب لأن كل ما يشغله هو مفهوم "لقمة العيش" وكيف يستطيع جمع ما يحتاجه من مال لسد احتياجاته.
كما أن تلك الزاوية التي ينظر منها الوزير لا ترى الأوضاع المزرية لدورات مياه المدارس الحكومية، ولا الكثافات المرعبة للفصول، ولا الأزمات الأخلاقية داخل المدارس، ولا ترى تضخم حجم الفساد في الإدارات التعليمية والمديريات، ويؤكد ذلك عدد القضايا التي ينظرها أعضاء الشئون القانونية، ولا ترى أيضًا أن ما تسعى الوزارة إلى تحقيقه لن يتحقق إلا إذا كان الاعتماد على ذوي الكفاءات والخبرات، وليس الاعتماد على من يرون في الوزير أنه أعظم المفكرين دون النظر إلى منتجهم على الأرض.