الطيب «أحمد الطيب»
واضح أن المستهدف هو الإسلام ذاته والأزهر كأحد أهم القلاع والمنارات الإسلامية العالمية، وليس فضيلة الامام الدكتور أحمد الطيب، وواضح أيضا أن غلاة الدواعش من العلمانيين لا يريدون لقوة مصر الناعمة أن تستعيد مكانتها، لحساب بعض المؤلفة قلوبهم في المنطقة.
ولم يتعلم هؤلاء من دروس هدم السينما والدراما لصالح الدراما التركية والهندية، أو محاولات شراء تاريخ وذاكرة هذا البلد بالاستيلاء على أرشيف ماسبيرو، والتغلغل في المزاج الشعبي بشراء أندية كرة القدم واستقدام لاعبين برازيليين، ولم يكن تنقص تلك الخطة الجهنمية إلا الأهرامات وقناة السويس والأزهر.
ودوما كان التسلل للأزهر الشريف من خلال بعض المحسوبين عليه بالتركيز على بعض نقاط الضعف الإنساني عند بعضهم، ولكن ظل منصب شيخ الأزهر عصيا على الاحتواء، وما يحدث اليوم ضد الأزهر وشيخه ليس جديدا ولكنه إحدى حلقات تطويع تلك المؤسسة وانتزاع استقلاله الذي حفظ له هيبته ومكانته، وإن كره الكارهون، وفي هذا السياق جاءت مزاعم الكارهين الأخيرة حول افتعال معركة بين الرئيس والإمام.
وهي مزاعم متهافتة، لأن الرئيس هو أكثر من يعرف خصال الإمام، وقد كان الرجل على قدر المسئولية في ثورة ٣٠ يونيو، ودوره في إحباط خطط الإخوان للاستيلاء على الأزهر في سنة حكمهم، وهو ما جلب له معظم المعارك التي يديرها الإخوان وأنصارهم من خلف ستار وعبر مواقعهم وكتائبهم وذبابهم الإلكتروني.
وللأسف يتبعهم البعض بسذاجة، وليس من المعقول أن يتبنى البعض ما يردده الإخوان والقرضاوي والأتراك ضد الأزهر وشيخه، ويقف معهم في نفس الخندق، والمصيبة في مدعي الثقافة من رواد حواري وسط البلد أن الثقافة تعني الإلحاد، وأن الإلحاد هو صديق المختبر والمعمل، وهو رفيق التجارب العلمية، وإنه هو الخلاص الوحيد والترياق الناجع في أروقة الاقتصاد من الظلم الاجتماعي، إلي آخر تلك الهرطقات من حواراتهم العدمية.
وللاسف فمعرفة هؤلاء متواضعة بالأزهر وتاريخه والتجديد ودوره في الحركة الوطنية، ويبدو أن الحديث الممل والمتكرر عن الإصلاح والتجديد هو محاولة باهتة لاستنساخ ماسخ لتجربة الإصلاح الديني في أوروبا، وينسى هؤلاء الأدوار التاريخية للأزهر كضمير للأمة المصرية في رفض الظلم والاحتلال والجبايات منذ حكم المماليك والاحتلال الفرنسي وإسقاط خورشيد باشا، وقيادة مظاهرات ثورة ١٩١٩، ورفض مشاركة مصر في الحرب العالمية بمنطق تلك حرب الناقة لنا فيها ولاجمل التي أطلقها الشيخ المراغي، ورفض الشيخ عبد المجيد سليم بزخ فاروق، ومواقف الشيخ شلتوت وقيادة المقاومة على العدوان الثلاثي من على منبر الأزهر.
والدكتور أحمد الطيب هو الإمام الثامن والأربعون للأزهر، وله من اسمه الكثير في طهارة يده وعفة لسانه وعلمه وترفعه عن قبول الهدايا والعطايا، مهما كانت مغرية، وحتى انضمامه لأمانة السياسات بالحزب الوطني فكان لتمكينه من سحب الاعتمادات المالية اللازمة للأزهر، والتي كان بطرس غالي وزير المالية آنذاك يعرقلها، وقد استقال الرجل من الحزب الوطني حينما تولى مشيخة الأزهر.
والحقيقة أن الأزهر كان دائمًا يعيش على أوقافه، ولم يحدث إلا أخيرًا جدًا أن قررت الدولة أن تموله، وعندما فعلت هذا، فإنها جردته من أوقافه ووضعت يدها عليها، ولعل الأزهر خسر في هذه الصفقة، فإذا أريد استقلال الأزهر فالخطوة الأولى أن تعاد إليه أوقافه، وأن يعتمد هو على هذه الأوقاف فلا يتعداها، إذا تمت هذه الخطوة فسيكون الأزهر سيد نفسه، وهو الذي يختار شيخه بالانتخاب.
وربما لا يعرف البعض أن الشيخ أحمد الطيب من بيت علم ودين، فوالده أحد الأولياء وشيخ الطريقة الخلوتية الأحمدية، وإنه أحد كبار القضاة العرفيين، ويقيم الجلسات العرفية وتحل المشكلات بكلمة واحدة منه، وقد تنازل الرجل عن راتبه ومخصصاته المالية بعد أحداث يناير، ولا يزال يقيم في شقته بالقاهرة.
ويخدم نفسه لأن أسرته تقيم في القرنة بالأقصر، ويجيد اللغتين الإنحليزية والفرنسية بطلاقة، والرجل المهذب المثقف عنوان راقٍ للأزهر الشريف، ويبدو ذلك في رحلاته الخارجية في إكرامه وتقديره، اعترافا بمؤسسة الأزهر التي لا يعرف بعض العنصريين المصريين للأسف قيمة ما لديهم.