رئيس التحرير
عصام كامل

ألغاز صفقة أسواق الجملة.. مصر تستعين بالتجربة الفرنسية.. ومخاوف جديدة من الخصخصة.. «نور الدين»: «إحنا مش فرنسا».. و«تموين الجيزة»: المشروع غير واضح المعالم

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

تجربة جديدة تدخلها الحكومة المصرية، ممثلة في وزارة التموين والتجارة الداخلية، بعد الاجتماع الأخير مع شركة "رانجيس" الفرنسية الكبرى للتعاون في مجال إدارة أسواق الجملة وتقديم الدعم الفني اللازم لتلك الأسواق لمدة 6 أشهر كمرحلة أولى، لخفض الأسعار للمستهلك بنسبة تتراوح بين 15 إلى 20% خلال عام 2019، بالإضافة إلى إنشاء مراكز لوجستية للتخزين والتعبئة والفرز في مناطق محددة في أرجاء الجمهورية؛ إلا أن المخاوف من عدم استكمال تلك التجربة قائمة مع عدم وضوح شكل الإدارة التي تتبعها الشركة الفرنسية مع الجانب المصري في إدارة أسواق الجملة، ومدى تحقيق الاستفادة منها للمستهلك، وآلية ضخ الاستثمارات التي تتبناها الشركة الفرنسية في ذلك المجال، ومخاوف أخرى عديدة من الخصخصة، والتحكم في أسواق الأجانب في الأسواق المصرية بعيدا عن دور الحكومة في ضبط منظومة الأسعار.


التفاوض

التفاوض مع الجانب الفرنسي لم يبدأ في يوم وليلة، بل كانت هناك خطوات تمهيدية لتحديد المحافظات المستهدفة لإنشاء مراكز لوجستية طبقا لخصائص كل محافظة وكثافتها السكانية ومتوسط الإنفاق فيها، وتقييم الفرص الاستثمارية، ومن ثم إصدار كافة التراخيص للمستثمر الأجنبي وتقديم جميع التسهيلات اللازمة؛ نظرا لحاجة المجتمع المصري لمراكز لوجستية عصرية في المحافظات تتواكب مع التعداد السكاني الكبير.

وكان الدكتور إبراهيم عشماوي، رئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية أعلن عن الاتفاق مع شركة «رانجيس الفرنسية» لتقديم الدعم الفني والخبرات اللازمة لإدارة أسواق الجملة، وعمل مسح على أسواق الجملة في مصر للتعرف على أهم المشكلات والعقبات ووضع خطة عمل في المرحلة المقبلة.

وكشف «عشماوي» أن الشركة زارت أكثر من سوق للجملة، فكان التقييم سيئا ودون المستوى، ومن المقرر أن تستمر مدة 6 أشهر جديدة في إجراء الدراسات اللازمة ومساعدة الجانب المصري من الناحية الفنية في إدارة تلك الأسواق، وأهمها سوق العبور وسوق أكتوبر، بالإضافة إلى 4 أسواق، لافتًا إلى أن الشركة الفرنسية تعد أكبر شركة تجارة جملة في أوروبا، وتغطي 25% من إجمالي الطلب في فرنسا، حيث تبلغ مساحة المراكز اللوجستية التي تديرها الشركة 600 فدان.

وأوضح رئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية، في تصريح خاص لـ"فيتو"، أن الشركة ستقدم كل الدعم في الإدارة، ولن تقوم بإنشاء أسواق من تلقاء نفسها، وبعد انتهاء مدة 6 أشهر من الممكن أن تدخل في شركات مع الحكومة أو القطاع الخاص في إنشاء أسواق لوجستية جديدة، لافتا إلى أن الحكومة تقدم حزمة من الحوافز للمستثمرين لجذب المزيد من الاستثمارات.

وعن تخصيص نسبة من الأرباح للشركة الفرنسية، أجاب "عشماوي: لم نتطرق في الموضوع إلى تلك التفاصيل لأن مجلس الوزراء كان حاضرا في الاتفاق، والمعلن حتى الآن هو المساعدة فنيا.

البيروقراطية

من جهته، فضل محمود العسقلاني، رئيس جمعية "مواطنون ضد الغلاء" إعطاء الفرصة للشركات المصرية وتقديم كافة التسهيلات والقضاء على البيروقراطية التي تعاني منها أجهزة الدولة، مضيفا: اللجوء للشركات الأجنبية في إدارة تلك الأسواق من شأنه الاستحواذ على المدخرات الدولارية والسفر بها للخارج.

أما الدكتور نادر نور الدين، مستشار وزير التموين الأسبق فقال: لا يعقل أن يكون لدينا أسواق تدار منذ عشرات السنين، وفجأة نأتي بشركة فرنسية لكي تدير أسواق الجملة؛ مضيفا: «لا أعرف ما الذي ستضيفه الشركة الفرنسية إلى أسواقنا، خاصة وأن المصريين لديهم خبرات طويلة جدا في إدارة أسواق الجملة وإنشائها، بدليل أن وجود أسواق العبور والسلام وأكتوبر والإسكندرية، ونستطيع القول إن أغلب المحافظات بها سوق كبير للجملة».

وأردف "نور الدين" قائلا: لا أدري ماذا يريد وزير التموين بهذا القرار، وهل هو شو إعلامي، ولا أحبذ إدارة الشركة للأسواق في مصر، فإذا كانت الشركة ستدير أسواق التجزئة كان من الممكن القول إنها ستنقل النظام الأوروبي في التجارة الداخلية ومنع الأسواق العشوائية، أما وأنها لم تعلن حتى عن المناطق اللوجستية الجديدة أو الأماكن التي سيتم تطويرها، فيبدو الأمر على أنه بيع أو تأجير أصول، خاصة أن التجارة الداخلية أعلنت عن طرح عدد من المجمعات الاستهلاكية للقطاع الخاصة من أجل إدارتها، مع أن المجمعات هي قبضة الحكومة للسيطرة على انفلات الأسعار حينما يظهر جشع التجار في السلع الإستراتيجية، وحينما يتم إعطاؤها للقطاع الخاص ستفقد الحكومة السيطرة على الأسعار إلا إذا كان الوزير لا يعنيه هذا الأمر، وسيترك الأمور بالكامل لآليات العرض والطلب.

وعن مدى استعداد السوق المصري للتطبيق النموذج الفرنسي أضاف: "إحنا مش فرنسا"، ففي مصر يوجد أسواق جملة ثابتة، وتغذي محافظات بأكملها، وهنا الأمور مختلفة في خصوصية التجارة الداخلية، ولا أجد أسبابا واضحة لاتخاذ الوزير مثل هذا القرار.

مفاجأة
وفي سياق متصل، قال هشام كامل، وكيل وزارة التموين والتجارة الداخلية بالجيزة إنه تفاجأ بهذا القرار، وكان يجب الجلوس مع تجار أسواق الجملة وشعبة الخضر والفواكه لمشاركتهم في الأمر، لأنه محتمل الاعتراض على الأمر، لأن الشركة الفرنسية حينما تأخذ منه حلقة من حلقات التداول فكأنما تقصي التجار المصريين، مضيفا: "الصورة مش واضحة حتى الآن، ولا أعرف كيف سينفذ الدكتور إبراهيم عشماوي الكلام الذي قاله، وفي الاجتماع الأخير للتجار أبدوا فيه تخوفهم من خطة وزارة التموين".

وتابع "كامل" لـ"فيتو" لا توجد آلية على الأرض لتطبيق الكلام الذي قاله رئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية، متسائلا: إلى متى سنظل تحت عقدة الخواجة الأجنبي الذي يتم منحه كافة التساهيل، وأكدنا في أكثر من لقاء أن سبب الغلاء في مصر هو زيادة حلقات التداول، ونبهنا على تدخل الحكومة، وتأخذ من تجار الجملة مباشرة، وتوزع في الأسواق، وسنجد أن الأسعار انخفضت لمنع استغلال تجار التجزئة. وأكد وكيل وزارة التموين بالجيزة أن هذا المشروع غير واضح المعالم، ولا يتماشى مع طبيعة التجار في مصر.

"نقلا عن العدد الورقي...."
الجريدة الرسمية