رئيس التحرير
عصام كامل

مؤامرة مشروعة على النكد


أصبح المتابع للقضايا التي تشهدها ساحات محاكم الأسرة، في حيرة من أمره بعد تعدد الخلافات الزوجية، التي وصلت إلى درجة كارثية، وذلك على خلفية الأسباب المنصوص عليها بصحف الدعاوى القضائية المقامة أمام تلك المحاكم للطلاق والخلع، التي تؤشر على الحاجة الماسة إلى ثورات ذاتية في المنازل كافة، لإنقاذ ما تبقى من استقرار لدى بعض الأسر التي أصبحت على حافة الهاوية.


إنه ليس منطقيا أن تقوم العلاقة الزوجية بشكل كامل على المصلحة، حتى لو كانت تلك المصلحة نبيلة وتتمثل في "مصلحة الأولاد".. "عشان الأولاد"، تلك المبررات التي يسوقها من يؤجلون قرارات الانفصال، ظنا منهم أنهم يتحملون حياة يحكمها "النكد اليومي"، منعا لطلاق قد ينتهي بأولادهم إلى الشارع، دون أن يدري هؤلاء أن حياة الطفل في أسرة مفككة، مشرذمة، لا حب فيها، ولا وئام، إنما هو خطر لا يقل كارثية في درجاته عن حياة التشرد، لأنه بصراحة يُعبر عن مجرد حياة تقوم على استقرار صوري، في بيوت هي "أوهن من بيت العنكبوت"، وليست تلك الكلمات دعوى إلى الانفصال، لا قدر الله، لكن الواقع الراهن يلزم كل زوجين (حتى لو كانا مستقرين) مراجعة حاجتهما إلى حوار هادئ يحكمه صوت العقل والمصارحة.

المصارحة القوية تتطلب التساؤل عن مدى توافر الحب، أو على الأقل حسن المعاملة المتبادلة بين الزوجين في البيوت، بما يتيح حوارا بناءً بين الطرفين، ومصارحةً شاملةً بأسلوب مهذب يفصح فيه كلا الطرفين عن العيوب التي يراها في الآخر، على أن تكون القيم الدينية المتعلقة بالمعاملات هي الحاضرة والمعيار الأساسي لتناول الخلافات بميزان العقل دون أن يستعلي كل طرف أيدولوجيا على الآخر، وليدرك الرجل دائما أنه في مركز قيادة تعاونه فيه زوجته، بمعنى أنه كقائد يجب أن يتحمل النقد ويتحلى باتزان الكبار وليس برعونة الأطفال فيتحمل مرة ويصبر أخرى ولا يعلق على كل كبيرة وصغيرة في المنزل كما لو كان رقيبا يتصيد الأخطاء.

الزوجة هي الأخرى لا بد أن تتحلى بحنان الأنوثة الفياض، فلا تترك زوجها فريسة للغضب، لأن حواء بطبيعتها تمتلك سلاح العاطفة الذي يمكِّنها من إطفاء نار الغضب بكلمة حانية، وعبارة عذبة، وعليها أن تعلم جيدا أن الرجل مهما بلغ من مناصب فهو -لأمر قد يكون غريزيا فطريا - يحب أن تكون زوجته أقل منه خطوة وليس في هذا حقد أو شعور بالنقص، بقدر ما هو إشباع لأمر، ربما يكون أيضا فطريا لدى الرجل بأن يشعر دائما أنه حامي المرأة والمحافظ عليها بما أوتى من قوة.. وأنها في حاجة إليه مهما ارتقت وتقدمت.

بالعقل.. والعقل وحده الذي كرم الله به الإنسان، يمكن لأي خلافات زوجية أن تذوب، دون حاجة إلى صراعات قضائية لا يرحم فيها طرف من طرفي النزاع الآخر، وربما يتطور الأمر إلى انتقام وتلفيق ورمي اتهامات بشكل جزافي.

تعالوا نعلن مؤامرة مشروعة على النكد في البيوت ليعود إليها استقرارها الحقيقي وليس الصوري، وليرفرف عليها الحب وأجنحة السعادة بعيدا عن حسابات ضيقة.. تكفي كلمات مثل "أحبك".. "حبيبي".."حبيبتي".. أو هدية متواضعة ولو بشكل مختلق دون انتظار مناسبات ربما ينسينا الانشغال موعدها.. والله من وراء القصد.
الجريدة الرسمية