جمهورية زفتى.. قصة مدينة استقلت عن سيطرة الاحتلال البريطاني
جمهورية زفتى اسم الجمهورية التي أعلنتها مدينة زفتى بالغربية عقب استقلالها عن المملكة المصرية المحتلة من قبل بريطانيا في 23 مارس أثناء ثورة 1919 وتم تنصيب يوسف الجندي رئيسًا لها، وذلك بعد أن اجتمع رجل الشرطة وزعيم العصابة على هدف واحد وهو محاربة الإنجليز.
في 8 مارس 1919 اعتقل سعد زغلول ومرافقوه وهم أحمد باشا الباسل ومحمد باشا محمود وإسماعيل صدقي وسينوت حنا ومكرم عبيد وفتح الله بركات وعاطف بركات، وتم نفيهم إلى جزيرة سيشل وخرج المصريون مسيحيون ومسلمون في مظاهرات صاخبة لتسجيل غضبهم ضد هذا الإجراء التعسفى ولأول مرة في تاريخ مصر خرجت سيدات مصر في مظاهرات وكان ذلك في 16 مارس 1919.
وبدأ مجموعة من الشباب الجامعى والفلاحين والتجار في زفتى يفكرون في عمل شيء يساعد في الإفراج عن سعد زغلول ورفاقه وكان من ضمن أفراد تلك المجموعة يوسف الجندى وابن عمة عوض الجندي المحاميان وكان معهم الشيخ عمايم والكفراوى والفخرانى ومحمد أفندى عجينه صاحب مكتبة للأدوات المدرسية ومطبعة وكانت تلك المجموعة تلتقى في مقهى مستوكلى بميدان بورصة القطن واتفقوا على الانفصال عن المملكة المصرية وإعلان الاستقلال وإنشاء جمهورية زفتى.
كان المقصود من هذا العمل هو لفت أنظار العالم لمدى التأييد الشعبي لسعد زغلول ورفاقه وبعد أن تبلورت الفكرة بدءوا في التحضير لإعلان الاستقلال صباح يوم 18 مارس 1919 حيث تجاوب معهم جميع أهالي البلدة من فلاحين وأعيان وشباب ووصل الأمر لتوسل رجل من الخارجين عن القانون للانضمام لهم وكان يدعى سبع الليل وكان يتزعم عصابة مسلحة تروع البلدة والقرى المجاورة.
طلب من أهل البلدة المشاركة معهم وإعلان توبته لرغبته في قتال الإنجليز فإن مات فسيصبح بطلا وأوصى منشد البلدة أن يتغنى ببطولاته لو قتلة الإنجليز وذهب يوسف الجندى ومعه بعض أهالي البلدة إلى ضابط النقطة في البلدة وكان يدعى حمد أفندى ولأنه رجل وطنى انضم لهم وفتح لهم السلاحليك (مخزن السلاح) وشارك معهم في التخطيط.
وفي صباح يوم 18 مارس كونوا المجلس البلدى الحاكم برئاسة المحامى الشاب يوسف الجندى وأعلنوا الاستقلال وكان عوض الجندى المحامى أخو يوسف الأكبر هو من ذهب للقاهرة وأبلغ الصحف لنشر الخبر.
وفي تلك الأثناء كون المجلس البلدى الحاكم عدة لجان منها لجنة التموين والإمداد وكانت مهمتها حصر المواد التموينية وحسن توزيعها على أهالي البلدة ولجنة النظافة وكانت من أنشط اللجان حيث كانت تنظف كل شوارع البلدة وترشها بالماء وانارة الطرقات ليلا ولجنة الإعلام وتولاها محمد أفندى عجينة وكانت تقوم بطبع المنشورات السريعة لتوضيح الوضع العام في البلدة.
كما قامت اللجنة بإصدار جريدة يومية وكان اسمها جريدة جمهورية زفتى ولجنة الأمن والحماية وتولى الإشراف عليها الضابط الشاب حمد أفندى وبمعاونة سبع الليل جمعوا الرجال من الخفر ورجال سبع الليل والأهالي من القادرين على حمل السلاح وقسموهم إلى مجموعات كل مجموعة تتولى حماية أحد مداخل البلدة.
وعندما علم الإنجليز في مساء يوم 18 مارس قرروا إرسال قوة للاستيلاء على البلدة عن طريق كوبرى ميت غمر ولكن تصدى الأهالي لتلك القوات فرجعت وتمركزت في بلدة ميت غمر.
وفي الصباح علموا في البلدة بأن هناك قطارا قادما إلى البلدة محمل بمئات الجنود والعتاد العسكري فما كان من سبع الليل ورجالة إلا أن قطعوا قضبان السكك الحديدية على مسافة من خارج البلدة تقول بعض الروايات 15 كيلو مترا، وتقول روايات أخرى إن القضبان قطعت من أمام قرية (سعد باشا) فعجز الإنجليز عن دخول البلدة للمرة الثانية.
ولخطورة الموقف أعلنت أنجلترا خلع السير ونجت لتهدئة حالة الهيجان والثورة في مصر وفي 21 مارس 1919 م عين الجنرال اللنبى معتمدا لـبريطانيا في مصر ولم تزل حالة عدم الاستقرار سارية فقد لجأ المصريين في مختلف محافظات مصر إلى تخريب الطرق وقطع خطوط الاتصالات وأسلاك التلغراف وأعمدتها كما فعل أهالي جمهورية زفتى فتريث الإنجليز حتى تهدأ الأمور في أنحاء مصر.
وفي فجر يوم 29 مارس 1919 ميلادية فوجئ أهالي زفتى بعشرات المراكب التي تحمل جنود الإرسالية الأسترالية تقوم بعملية إنزال الجنود على شاطئ النيل بالبلدة وقيامهم إطلاق النار في الهواء أو على كل من يحاول عرقلة استيلائهم على البلدة وقاموا بالتفتيش عن يوسف الجندى وأعلنوا عن مكافأة مالية لمن يرشد عنه.
ولكن عندما تأكد للجميع أن الأمر انتهى قاموا بتهريب يوسف الجندى ورفاقه إلى عزبة سعد باشا والواقعة في قرية مسجد وصيف واستقبلتهم أم المصريين السيدة صفية زغلول وقامت بإخفائهم في أماكن مختلفة حتى أفرج عن سعد زغلول ورفاقه يوم 17 أبريل من عام 1919.
وفي هذه الأثناء كان النظام الملكي وكبار الملاك وسلطات الاحتلال يعيشون رعبًا حقيقيًا ليس من انتفاضة زفتى وحدها بل من الانتفاضات الأخرى أيضًا.
لم يدم الاستقلال طويلًا حيث حشدت القوات الإنجليزية مجموعات من القوات الأسترالية التي حاصرت المدينة وتم فك الحصار بعد مفاوضات مع قائد القوات الأسترالية.
ولم يكن الاستقلال المدينة ماديا بل كان استقلالا معنويا إذ ساهم في تحفيز جميع ربوع مصر بأهمية مقاومة الاحتلال الإنجليزي حيث أعلنت أيضًا بعد المناطق استقلالها مثل فارسكور والمنيا وغيرها.