الوطن.. والكلاب

ليس المقصود هنا الكلاب التي تعمل ضد مصلحة مصر من الإرهابيين وجماعتهم المشهورة، وغيرهم من الممولين والجواسيس والطابور الخامس الذي يعمل لدى مخابرات أجنبية ضد بلده ووطنه، لكن المقصود هنا في المقال الكلاب الحقيقية، الكلاب الضالة التي صارت ظاهرة مزعجة جدا، وانتشرت بصورة كبيرة في كل ربوع مصر..

وباتت الشكوى من وجودها لها ما يبررها، فلك أن تعلم أن هناك 398 ألف مواطن تعرضوا للعقر من الكلاب الضالة في الشهور القليلة الماضية، وقد توفي منهم 65 شخصًا، جاء ذلك طبقا لما أعلنته الهيئة العامة للخدمات البيطرية، فهذا العدد الضخم الصادم يكشف عن أهمية مكافحة الكلاب الضالة وخطورتها على المواطنين..

كما لك أن تعلم أن مصر لديها أكثر من ١٥ مليون كلب ضال، والعدد في ازدياد سنويًا، بسبب زيادة التكاثر وانتشار أكوام القمامة، وتعتبر القاهرة والجيزة أكثر المحافظات كثافة سكانية، ما يشير أن الكلاب الضالة تمثل خطورة كبيرة عليهما.

والعدد الذي تعرض لعقر الكلاب، الذي أعلنت عنه هيئة الخدمات البيطرية، علاجه كلف الدولة ملايين الدولارات، وذلك لأن الأمصال التي يعالجون بها مستوردة من الخارج، وهذا يؤكد أن مكافحة الكلاب الضالة ينقذ حياة المواطنين من ناحية ويوفر ملايين الدولارات من جهة أخرى.

وتؤكد مديريات الطب البيطري في المحافظات المختلفة أنها تقوم بدورها في مكافحة الكلاب الضالة، حيث تكافح ما يزيد على ألف كلب في الشهر، لكن هذه التصريحات تنقصها الدقة، فلو كانت هذه المديريات تقوم بدورها لما وجدت الظاهرة من الأساس، لكن هذه المديريات عاجزة بالفعل عن القيام بدورها لأسباب كثيرة، منها الحاجة إلى عمالة كبيرة للمكافحة، والأهم من ذلك أن المكافحة تتم بعد وجود شكوى..

ويتم التعامل مع الكلاب العقور بمادة سامة "الاستركنين"، وهي مصرح بها من هيئة الخدمات البيطرية التابعة لوزارة الزراعة، وهي مادة يتم استيرادها بناء على الموافقات الرسمية، حيث يتم وضع المادة السامة داخل قطعة لحم للكلب ومتابعته حتى يأكلها، ثم يتم التعامل معه من خلال هيئة النظافة ودفن الكلاب النافقة في المدفن الصحي.

يقدر ثمن الكيلو من "الاستركنين" المخصصة لمكافحة الكلاب بـ18 ألف جنيه، و2 جرام تكفي لقتل كلب واحد من هذه المادة، أي إن الكيلو يكفي لمكافحة 500 كلب، وهنا تعجز المديريات عن توفير هذه المادة للعجز المالي في أحيان كثيرة؛ مما يقلل من المكافحة، كما أن المكافحة لا تكون إلا بعد شكوى وبالتالي فالكلاب العقور تزداد وتنتشر دون مكافحة فعلية، كما أن هناك مضايقات من جمعيات الرفق بالحيوان الذين يطالبون بمنع مكافحة الكلاب الضالة بهذه الطريقة..

بل تريد هذه الجمعيات تعقيم الكلاب فقط دون التخلص منها، وهذه عمليات مكلفة وتحتاج إلى فرق لعمل العمليات الجراحية، وغرف مجهزة وأماكن لإيوائها والإعاشة والمتابعة حتى يتم شفاؤها، ولو حدث فسيتم تركها مرة أخرى في الشوارع.

ونظرا لعدم توافر المادة السامة وتكلفتها العالية خاصة مع ضرورة توفير كمية من اللحوم لوضعها فيها، فيجب العودة للطريقة التقليدية في المكافحة، وهي استخدام الخرطوش لتوفير نفقات استيراد مادة "الاستركنين" التي لا تكفي نظرا لقلتها، وكثرة الكلاب الضالة، خاصة في الأماكن النائية، كذلك نجد أن المادة السامة المستخدمة في عقر الكلاب، في بعض الأحيان تكون غير فعالة، كما نجد أن عمليات الإخصاء للكلاب، أو عمليات التعقيم للكلاب الذكور، تقلل نسبة الولادات التي تزداد سنويا.

ويمكن الاستفادة من هذه الكلاب بصورة عملية تدر دخلا كبيرا للدولة، وهي جمع هذه الكلاب من خلال فرق مدربة ووضعها في أماكن خاصة وإطعامها بصورة جيدة، ومعالجة ما يجب معالجته منها، ثم بعد ذلك تصديرها للدول التي تأكلها وتشتهيها مثل الصين وكوريا وكمبوديا والهند، وإندونيسيا واليابان ولاوس والفلبين وتايوان وتايلاند وفيتنام، وعلينا ألا نلتفت في هذا المجال لجماعات الرفق بالحيوان فهذه الكلاب تؤكل في بلاد مختلفة ولا تستطيع هذه الجماعات منع ذلك..

كما أن هناك أعدادا ضخمة من نوعيات مختلفة من الحيوانات تذبح بصورة عادية ويتناول منها كل أعضاء جمعيات الرفق بالحيوان طعامهم المفضل، فلا يجب ادعاء العطف على بعض الحيوانات دون بعضها.