رئيس التحرير
عصام كامل

«يحب جون إرسال الجوارب الملونة للجميع».. رسالة بـ6 ملايين دولار..صاحبها تحدى متلازمة «داون»... رؤساء أمريكا على قائمة زبائن «الشربات الملونة».. والأفكار المجنونة سر النجا

فيتو


جنازة الرئيس الأمريكي الراحل جورج بوش، الأب، ألقت الضوء على الحكاية، منحتها بريقًا تستحقه، وكشفت كثيرًا من كواليسها وتفاصيلها، كما أنها فتحت المجال أمام العالم، ليس أمريكا فقط، للتعرف على واحدة من قصص «تحدي الإعاقة»، بعدما أوصى الرئيس الراحل أن تدفن «جواربه» معه، غير أن القصة هنا لا تتعلق بـ«الجوارب» لكنها تخص صانعها.


جون
«جون».. صاحب الـ22 ربيعًا، أحد الذين خرجوا إلى الحياة برفقة إعاقة «متلازمة داون»، غير أنه بمرور السنوات تمكن من تطويع إعاقته تلك لتكون بمثابة انطلاقة إلى عالم البزنس، حيث قرر بعد تخرجه في المدرسة الثانوية أن يتحدى النمطية التي رسمها المجتمع للأشخاص الذين يعانون «متلازمة داون»، وجعل حياته مميزة،فعرض على والده عدة أفكار لمشروعات مستقبلية من بينها شركة لصناعة الشرابات تحت مسمى «شرابات جون المجنونة».

فكرة صناعة وبيع الجوارب جاءت إلى «جون» بسبب عشقه ارتداء «الشرابات الملونة» المليئة بالرسومات المبهجة، التي لا تتوافر إلا في النوعيات التي يرتديها الأطفال فقط، فكان يواجه صعوبة في الحصول على جوارب مرحة غير تقليدية كلما يزداد عمره عامًا بعد الآخر.

البداية
والد «جون» من جانبه رحب بالفكرة لإيمانه الدائم بأفكار نجله، حتى إنه ترك عمله بالمحاماة وتفرغ لتنفيذ رغبات الابن، وبالفعل نجحا في تنفيذ الفكرة، ليس ذلك فقط، بل قاما بتحويلها إلى كيان اقتصادي تتخطى قيمته المالية 6 ملايين دولار.

بدأ الشاب الحالم ووالده مشروع «جوارب جون المجنونة» في نهاية 2016، برأسمال 2000 دولار، داخل مخزن صغير في بلدة تقع بمقاطعة «لونج أيلاند» الأمريكية، وكان يتم تسويق منتجات الشركة من خلال صفحة على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، وكانت استجابة العملاء للصفحة واعدة، حتى إنه تمكن في أول يوم للشركة من تلقى 42 طلبًا للحصول على الجورب المجنون، ويعتبر عام 2017، أول عام عمل كامل لـ«جون» في تجارة الشرابات، حيث نجح في تحقيق أرباح قدرت بـ1.4 مليون دولار.

من جهته.. حرص والد جون على أن يسهم المشروع في توظيف أكثر من 40% من مصابي «متلازمة داون» الذين تتراوح أعمارهم ما بين 25 و45 عامًا، ليتولوا مسئولية تصميم الرسومات المفضلة لديهم وتمكينهم من إيجاد فرصة عمل، وذلك من خلال إقامة ورش للتدريب على العمل والاهتمام بهم، واقتصر دور الأب على بالجوانب التجارية والمالية.

رسومات
تنوعت أشكال ورسومات جوارب شركة «جون المجنونة»، لكن شيئا واحدا كان يجمعها وهو الدعوة للمرح والمتعة، فكانوا يطبعون جواربًا تحمل أشكال كل أبطال أفلام الكارتون والفاكهة والألعاب المفضلة لديهم، وكذلك صور ملوك ورؤساء الدول الأخرى، من بينهم الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودوا والرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وغيرهم الكثير.

أراد جون أن يقوم بتوصيل الجوارب بنفسه إلى العملاء في منازلهم لكي يشاهد ردة فعلهم، فكان يضعها في صناديق حمراء ملفوفة بعناية وبداخلها كلمة شكر وقطعة حلوى، ومن ثم يطرق الأبواب ويقدمها لهم.

كانت ردود أفعال العملاء تسعده كثيرًا خاصة عندما يقوم العملاء بالتقاط العديد من الصور التذكارية ومقاطع الفيديو معه ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي للمساعدة في الترويج لمنتجاته، حتى بدأت مقاطع الفيديو والصور الخاصة بشحنات خدمة التوصيل تنتشر بين الجميع، مما أدى إلى ارتفاع نسبة الطلب في الشهور الأولى التي وصلت إلى 452 طلبًا حتى نفدت كل القطع الموجودة في المخزن.

الأعمال الخيرية
بعد نجاح الشركة وارتفاع نسبة المبيعات خصص جون جزءًا من إيرادات الشركة للأعمال الخيرية والألعاب الأوليمبية لمصابي متلازمة داون والمساعدة في محو الأمية، فهو ينتج ما بين 160 ألفًا و180 ألف جورب في العام الواحد.

رسائل شكر رئاسية

لم يتوقف «جون» عن التفكير في تطوير مشروعه، فرغبته الشديدة في نجاح شركته وصل صداها إلى العالم أجمع، ومكنته من جمع مساعدات تقدر بـ30 ألف دولار، لتبدأ رحلة القمة بوصول جواربه إلى القادة من بينهم بوش الأب وبيل كلينتون، مرفقًا رسالة تحمل جملة «يحب جون إرسال الجوارب الملونة للجميع»، وبعد فترة أرسل مكتب الرئيس «بوش» رسالة لشركة «جون» بحثًا عن المزيد من الجوارب، بجانب تحية شكر.

بعد رحيل باربرا بوش زوجة الرئيس الأمريكي الأسبق قبل عدة أشهر، أرسل الرئيس الأسبق «بوش الأب» لشركة «جوارب جون المجنونة» يطالبهم بعدد من الجوارب الفريدة ترتديها العائلة في جنازة زوجته، مما جعل الشركة تحظى باهتمام شديد من قبل وسائل الإعلام وتنهال عليهم التعليقات الإيجابية مرة أخرى، فقرروا أن يرسلوا جميع أرباح الجوارب التي بيعت في وفاة باربرا بوش لصالح مؤسستها الخاصة بمحو الأمية تكريمًا لها.

يوم عالمي
يحتفل الناس في بعض الدول في 21 مارس من كل عام باليوم العالمي لمتلازمة داون من خلال ارتداء جوارب جون المجنونة دعمًا لهؤلاء الأبطال، أما عن جون ووالده فيحتفلان أمام مبنى «الكابيتول» كنوع من الدفاع عن ذوي القدرات الخاصة والحث على النظر إليهم والمناشدة بهم وبدورهم، حتى إنه سُمح له بدخول المبنى 4 مرات لمناقشة قضايا مصابي متلازمة داون أمام لجنة مجلس النواب المعنية بالأعمال التجارية الصغيرة.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية