رئيس التحرير
عصام كامل

السادات وإبراهيم سعدة.. «ما محبة إلا بعد عداوة»

إبراهيم سعدة
إبراهيم سعدة

يعتبر بعض الكتاب والصحفيين إبراهيم سعدة لغزا من ألغاز صاحبة الجلالة وأكثرهم غموضًا وجرأة، فقد اختاره الرئيس الراحل السادات ليكون رئيسًا لتحرير واحدة من أكبر الصحف القومية "أخبار اليوم"، بالرغم من غضب السادات منه بسبب عدد من مقالاته، وجه فيها الكاتب الصحفي النقد لمسئولين كان يثق بهم الرئيس، واستبد الغضب به لدرجة تأكد معها "سعدة" أن مستقبله في ظل وجود السادات مقضيا عليه، لكنه فوجئ وفطاحل الصحافة آنذاك باختياره لرئاسة تحرير واحدة من أعرق الصحف القومية.


كان إبراهيم سعدة ينتقد في مقاله "آخر عمود"، تصرفات بعض المسئولين الكبار في الدولة، لم يكن يذكر أسماءهم صراحةً، ولكنه كان يحدد مناصبهم وصفاتهم المعروفة، فيبدو جليًا أنه ذلك الشخص.

عويضة
وفي أحد مقالاته "آخر عمود" كتب إبراهيم سعدة ما أغضب السادات كثيرًا، فآثر سعدة الهجوم على "محمد توفيق عويضة"، الذي كان يرأس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وبدا الأمر غريبا، لأن عويضة كان يحظي بثقة الرئيس الراحل السادات، لكن "سعدة" تناسي ذلك وهاجم عويضة في سلسلة مقالات، كاشفًا عن الانحرافات المالية والإدارية داخل المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.

استبد الغضب بالسادات بعد الهجوم الجارف من "سعدة" على "مجلس عويضة"، فطلب من رئيس مجلس إدارة "أخبار اليوم" آنذاك موسى صبري أن يفصل إبراهيم سعدة، لكن السادات عاد وتراجع بعد ذلك عن قرار الفصل.

نقد عبد الناصر

لم تكن هذه المرة الوحيدة التي يغضب فيها الرئيس السادات على إبراهيم سعدة، فقد وقع خلاف آخر بينهما، عندما انتقد سعدة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في "آخر عمود"، الأمر الذي أغضب السادات بشدة، فطلب من مصطفى أمين فصل "سعدة" على الفور، لكن مصطفى أمين تمكن من إقناع السادات بالعدول عن قرار الفصل، وأدرك "سعدة" حينها أن مستقبله مع وجود السادات محكوم عليه بالفشل.

في هذا الوقت، تلقى إبراهيم سعدة عرضًا من صحيفة الشرق الأوسط بأن يتفرغ لها في القاهرة، لكن المفاجأة الغريبة كانت بقرار نُشر في مانشتات الصفحة الأولى بجميع الصحف اليومية، وكان القرار يقضي بتعيين إبراهيم سعده رئيسًا لتحرير "أخبار اليوم" بأثر رجعي لمدة 6 أشهر.

وقع المفاجأة أسعد إبراهيم كثيرًا، فقرر أن يتبرع بمرتب الأشهر الستة لباب "ليلة القدر" باسم "فاعل خير".

الرئيس والصحفي
وبالرغم من فرحة إبراهيم سعدة بقرار تعيينه رئيسًا لتحرير أخبار اليوم، لكنه لم يحاول الاتصال بالرئيس السادات، وهنا تدخل الكاتب محسن محمد وطلب من إبراهيم سعدة الاتصال بالرئيس، وأعطاه الأرقام الخاصة به، وبالفعل هاتف سعدة السادات، وتعددت الاتصالات واللقاءات بينهما، وامتدت أواصر الصداقة والمحبة بين الصحفي والرئيس، وأسفر ذلك عن عهد جديد بين سعدة والسادات، عملًا بالمثل القائل "ما محبة إلا بعد عداوة".

أصبح إبراهيم سعدة رئيس التحرير المفضل لدى السادات والمقرب منه، فلم يكتف بتعيينه لرئاسة تحرير "أخبار اليوم"، بل عينه رئيسًا لتحرير جريدة "مايو" الناطقة بلسان الحزب الوطني الحاكم وقتها.

وكان لخروج صحيفة "مايو" للنور مفاجأة من السادات لإبراهيم سعدة، فقد اتصل السادات بسعدة- ذات يوم- وطلب منه الحضور إلى منزله، وكان السادات مجتمعا مع سيد مرعي والمهندس عثمان أحمد عثمان، وطلب من سعدة أن ينشئ صحيفة للحزب الوطني "مايو" ويتولى رئاسة تحريرها، هنا توقف إبراهيم سعدة ليسأل السادات عن مصيره في صحيفة "أخبار اليوم".

كانت المفاجأة برد السادات: "ستستمر رئيسًا لتحرير أخبار اليوم ورئيسًا لمجلس إدارتها"، وبذلك أصبح إبراهيم سعدة أول صحفي يجمع بين رئاسة تحرير جريدة قومية وحزبية.

تمتع إبراهيم سعدة بموهبة لا تنكر في الكتابة، وله أسلوب مميز وجذاب، ويمتلك جرأة لافتة، فأصبح كاتبًا مقربًا من رئيس الجمهورية يستطيع رفع سماعة التليفون ويطلبه مباشرة.

بلغت جرأة أفكار إبراهيم سعدة ذروتها عندما عرض على السادات أن يقدمه بصورة جديدة ومختلفة للمصريين، بتصوير الرئيس في أوضاع وأماكن مختلفة وبأشكال غير مألوفة أو معتادة بالنسبة لمنصبه وهيبته، ومن هنا خرجت مجموعة الصور، التي نشرتها أخبار اليوم تحت عنوان "يوم في حياة رئيس"، وكان الأمر غريبًا حيث ظهر السادات مرتديًا الملابس الداخلية، ويحلق ذقنه بنفسه في حمام بيته.

كما نُشرت صور للسادات وهو يصلي بمفرده في صالون بيته، التقطها كبير مصوري أخبار اليوم آنذاك فاروق إبراهيم، واكتفى فاروق من صور الصلاة بأربع صور، وصورة للرئيس وهو واقف يقرأ القرآن، وصورة وهو راكع، وصورة وهو ساجد، ثم صورة أخيرة وهو يقرأ التشهد، لكن السادات وهو يراجع الصور، قبل نشرها، غضب من المصور وقال له بجدية: "ماصورتش الركعة التانية ليه يا فاروق؟!"
الجريدة الرسمية