هل لازال شبح الحرب الأهلية يهدد لبنان؟

قبل أكثر من ستة أشهر من الآن، وعقب تكليف "سعد الحريري" رئيس تيار المستقبل بتشكيل الحكومة اللبنانية، وبعد انتهاء الانتخابات البرلمانية في مايو 2018، كتبت مقالًا هنا بعنوان "بعد صدمات الانتخابات: لا حكومة في لبنان قريبًا"، وقلت فيما كتبت أن لبنان سيدخل في فراغ حكومي طويل، وها نحن وقد مر أكثر 200 يوما على تكليف الحريري بتشكيل الحكومة ومازالت أفق ظهور حكومة معطلة، لم يكن ما كتبت في الواقع وحيا من الخيال لكن قراءة للمشهد السياسي اللبناني.

تأخر تشكيل الحكومة اللبنانية كان له ظلال سيئة على الوضع السياسي، إذا تراشق الوزير السابق وئام وهاب، الذي ينتمي للطائفة الدرزية، وهو رئيس حزب التوحيد العربي من جانب، وسعد الحريري إعلاميًا وتم تسريب فيديو لوئام وهاب يسيئ لرئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري، وحرك محامو الحريري ومناصريه دعوة قضائية وتحركات قوات من قوى الأمن "لتبليغ" وئام وهاب بضرورة حضوره للتحقيق.

لم يكن من المعتاد أن يتحرك فيلق من قوى الأمن الداخلي "لتبليغ" سياسي لبناني بضرورة المثول للتحقيق، وحدث تبادل لإطلاق النار أسفر عن مقتل "مرافق" (الحارس الشخصي) لوئام وهاب.

الأجواء التي صاحبت تشييع جنازة مرافق "وئام وهاب" كانت ساخنة، وكان الوضع ينذر بحرب أهلية لم تقع، لأن حزب الله وحلفائه لا يريدونها أن تقع، لكن الحادث نفسه زاد من الشرخ الموجود بين دروز لبنان، فجبل للبنان الذي يقطنه الدروز أصبح منقسمًا بين "وليد جنبلاط" رئيس الحزب التقدم الاشتراكي، والمؤيد لـ"سعد الحريري"، وبين كل من "طلال أرسلان"، رئيس الحزب الديمقراطي، و"وئام وهاب" رئيس حزب التوحيد العربي.

وقبل أن تهدأ هذه الحادثة أبدى رئيس الجمهورية "ميشال عون" امتعاضه من تأخير تشكيل الحكومة في رسالة بعث بها للبرلمان اللبناني، منوها أنه بإمكان أعضاء البرلمان سحب الثقة من "سعد الحريري"، واختيار سني آخر لتشكيل الحكومة، هذه الرسالة تشبه مقولة "الحق الذي يراد به باطل"، ولا أقصد هنا بالباطل نية رئيس الجمهورية لأحداث مشكلة، لكن سحب الثقة من "سعد الحريري" كان سيشعل المشهد السياسي، ويلقى بظلال كثيفة على الأرض قد تؤدي إلى حرب أهلية.

ورغم أن التاريخ يؤكد أن البرلمان سحب من قبل الثقة من رئيس الوزراء المكلف بالتشكيل، إلا أن المتعارف عليه في السياسة اللبنانية هي عدم سحب الثقة، ولكن "اعتذار" من تم تكليفه بتشكيل الحكومة عن تشكيل الحكومة.

"سعد الحريري" يتهم حزب الله بتعطيل تشكيل الحكومة، بسبب إصراره على وجود وزير سني معارض من بين الستة الذين ينتمون إلى الطائفة السنية، ولكنهم من المعارضين لـ"سعد الحريري"، ولم يبدي رئيس الجمهورية قبولا لاقتراح أن يكون هذا الوزير من حصته من الوزراء، المحاولة الأخيرة لرئيس الجمهورية جاءت بدعوة "السّنة" لاختيار وزير من خارجهم، بينما يتمسكون هم بأن يكون الوزير واحدًا منهم.

وعلى الهامش من أزمة تشكيل الحكومة، جاء إعلان إسرائيل اكتشاف أنفاق لحزب الله ليضع الصراع بين حزب الله وإسرائيل على المحك من جديد، وقد ينفجر الصراع في أي لحظة رغم عدم رغبة كلا الطرفين في ذلك، فإسرائيل لن تكسب من مواجهة حزب الله وتهديدات نتنياهو هي أشبه بفقاعات هواء، فجميع مدن فلسطين المحتلة في مرمى نيران صواريخ حزب الله طويلة المدى، التي زاد أعدادها إلى مئات الآلاف، ورئيس الوزراء الإسرائيلي يعرف أنه إذ ما حدث صراع، فإنها وإن كان سيدك الضاحية الجنوبية والجنوب اللبناني بطائراته، فإن صواريخ حزب الله ستشعل سماء الأراضي المحتلة، ولا أعتقد أن نظام "القبة الحديدية" سينقذ نتنياهو.

لكن حزب الله يعرف أن نشوب صراع ضخم مع إسرائيل حاليا، وفي ظل أزمة اقتصادية لبنانية طاحنة قد يفتح جبهة داخلية عليه في الداخل، وقد يسعى "الحريري" وحلفائه إلى السعي ضرب حزب الله داخليًا، ولن أدعي أن "الحريري" وحلفائه، سيسعون لإحداث فتنة تتحول إلى حرب أهلية، لكن إذا حدث ذلك فإن جميع الاحتمالات ستكون متاحة بما في ذلك الحرب الأهلية.

المشكلة التي يعاني منها لبنان هي أن زعمائه السياسيين يقولون أشياء ويتصرفون عكسها، فجميعهم يقولون أنهم يرغبون في رؤية حكومة اليوم قبل غد، وجميعهم يتهمون الأطراف الأخرى بتعطيل تشكيل الحكومة، ولكن لا يوجد منهم من طلب لقاء يضم جميع الزعماء للوصول لاتفاق على تشكيل الحكومة، حتى أصبح لسان حال الشعب اللبناني يقول لزعمائه السياسيين: "أسمع كلامكم أصدقكم، وأشوف أموركم أستعجب".

وما لم يتصرف الزعماء السياسيون في لبنان بمسئولية، ويبتعدون عن "المهاترات" والتراشق الإعلامي، ويتوقفون عن استغلال القضاء أو قوات الأمن، فإن شبح الحرب الأهلية ليس ببعيد، فالحريري يعلم أنه لو كان المطلوب تبليغه للمثول أمام القضاء قيادة في حزب الله، وليس "وئام وهاب"، وسقطت هذه القيادة ميتة في اشتباك بالرصاص، لقامت حرب أهلية بلبنان.