غضب فرنسا!
ليس أهم ما جاء في كلمة الرئيس الفرنسي "ماكرون" للفرنسيين أمس هي تلك القرارات التي أعلن عنها وتشمل زيادة الحد الأدنى للأجور بنحو مائدة يورو، وإعفاء من يقل دخله ومعاشه عن ألفي دولار من الضرائب.. فلم يعتبر قادة "السترات الصفراء" ذلك كافيا أو ملبيا لمطالبهم، إنما الأهم هو اعتراف "ماكرون" أن المظاهرات والاحتجاجات التي اندلعت في فرنسا كان سببها غضب واستياء لدى أغلبية الفرنسيين من صعوبة الأحوال والأوضاع الاقتصادية، والأعباء المتزايدة التي صاروا يتحملونها وأدت إلى انخفاض في مستوى معيشتهم.
صحيح أن "ماكرون" استنكر وأدان محاولات الاستثمار السياسي لهذه الاحتجاجات، مثلما أدان العنف الذي شابها وعمليات التدمير والتخريب والحرق والسرقة والنهب، لكنه لم ينكر وجود غضب داخل فرنسا بين الأغلب الأعم من الفرنسيين، واعترف أن هذا الغصب هو من أخرج بعضهم إلى الشوارع مطالبين بإزالة أسباب هذا الغضب.
واعترف أيضا أن بسبب هذا الغضب هي تلك الضغوط الاقتصادية والمعيشية التي لم يعد يتحملها عموم الفرنسيين من أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة، ولذلك قال ماكرون إن الأمر بات يحتاج إلى حوار مجتمعي بين الفرنسيين وذلك للوصول إلى عقد اجتماعي جديد داخل فرنسا..
أي توافق على توزيع أعباء الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الذي أعلن "ماكرون" التمسك به، ولذلك لم يعلن عن إلغاء التخفيضات الضريبية للأغنياء التي منحها لهم بعد دخوله قصر الإليزيه.
وسواء جاء اعتراف "ماكرون" بهذا الغضب الفرنسي تحت ضغط استمرار الاحتجاجات الفرنسية، بل وتصاعدها في مطالب المحتجين، أو كان ذلك قراءة صحيحة للواقع الفرنسي، فإن ما يحسب له في نهاية المطاف ذلك الاعتراف، وعدم تحميل قوى خارجية أو داخلية مسئولية انفجار الاحتجاجات، وإن كان يرى أن هناك من حاولوا استثمارها سياسيا.