انتبهوا.. السر في المحليات
ويظل السؤال مطروحا، لماذا لا يشعر الناس بثمار المشروعات القومية المنتشرة في كل مكان؟ فخلايا العمل والإنتاج تنتشر في ربوع مصر لنشر الخير، وتقوم ببناء مصر الجديدة، لكن عند النزول للشارع وسؤال المواطنين لا نجد سوى إجابات واضحة مفادها أننا نريد أن تنعكس علينا التنمية، نريد خدمات جيدة، وأسواق منضبطة تتوافر فيها السلع والمنتجات، وتوافر الرقابة الحقيقية للسيطرة على سياسات الاحتكار..
وهنا لا بد أن نقول، الحقيقة أن المسئول عن حياة المصريين اليومية هي المحليات، فهي عصب الدولة والوسيط بين النظام والشعب، فهي المسئولة عن كل الخدمات المقدمة للمواطن كالتعليم والصحة والتموين والنظافة والبيئة وغيرها، وكذلك كل برامج التنمية الاجتماعية من استهداف الفقراء وقضايا العشوائيات وغيرها، لذلك تعد المحليات هي المدير التنفيذي لكل الخدمات التي تقدم في الحياة اليومية للمواطن المصري.
قضية الصلاحيات الممنوحة للمحافظين أزمة حقيقية ومعوق كبير في قضية تطوير المحليات، فمتى يتم تطبيق اللامركزية؟!، لأن النظام المركزي الحالي يجعل المحافظ مكبل اليدين بلا صلاحيات حقيقية، عمله إشرافي فقط، فتخيل أن موازنة المحافظات مركزية وعند التعديل لإنهاء مشروع ملح أو لتقديم خدمة على المحافظ الرجوع للوزير المختص، وذلك هو جوهر تباطؤ عمليات التنمية..
فكل محافظ أعلم بمشكلات محافظته ولديه خطة واضحة لنقص الخدمات، ويريد العمل لمواجهة المشكلات لكن عليه الرجوع للوزير المختص في كل شيء، بداية من تغيير مسمى المشروع لزيادة موازناته، حتى لتغيير قيادة غير منجزة.. فمتى ننتهي من هذه المركزية الشديدة؟!.
يعتبر العنصر البشري هو العنوان الرئيسي لتقدم أو فشل أي مؤسسة في العالم، وبالنسبة لقطاع المحليات في مصر فقد أسهمت سياسات التوظيف في العقود الماضية في نشر إستراتيجية الإبداع في الفشل، عن طريق اعتبار المحليات بوابة لمن لا وظيفة له، فتجد تخصصات لا علاقة لها بالمحليات تعمل بين جدرانه، فلا توجد معايير واضحة لاختيار الأفراد لنوعية الوظائف..
فالدولة كانت تحاول امتصاص الغضب الشعبي بتعيين الشباب في قطاع المحليات، مما نتج عنه تكدس الموظفين في الإدارات والقطاعات المختلفة، مما أدى لتفاقم المشكلة عبر السنين، فتحولت العمالة لبطالة مقنعة بلا عمل وإنتاج حقيقي، لذلك يجب البدء في إعادة هيكلة حقيقية لإدارات وقطاعات المحليات من خلال إعادة صياغة الهيكل الوظيفي بناء على دراسة الاحتياجات الحقيقية من العاملين، وإعادة النظر في طرق اختيار وتعيين وتوزيع العاملين بالجهاز الإداري وفقًا للأسس والمبادئ العلمية..
وفي مقدمتها مبدأ الكفاءة، باعتباره الضمانة الأولى لبناء جهاز إداري فاعل متميز، وفي هذا الاتجاه يجب الاهتمام بإعداد نظام متكامل لإدارة الموارد البشرية، وضرورة إعادة النظر في طرق الترقيات للوظائف القيادية.. فيجب علينا تشجيع أصحاب الرؤى والأفكار غير التقليدية، وذلك من خلال بناء قاعدة بيانات للقيادات الإدارية العاملة، وتطوير نظم تقييم الأداء من خلال إعادة النظر في النظم التقليدية، بما يسمح بتقييم أداء العامل استنادا إلى معدلات أداء محددة..
أخذا في الاعتبار ضرورة رفع كفاءة الموظف بشكل يسمح بتقييم أدائه استنادا إلى تلك المعايير، في محاولة لتطبيق معايير الجودة العالمية في تقييم الأداء لموظفي المحليات فهم عصب التنمية.
برامج وسياسات الإصلاح التشريعي فمصر بها ترسانة كبرى من القوانين واللوائح الكفيلة بتدمير كل سياسات الإصلاح والتنمية، وكل قانون عليه مئات التعديلات والقرارات مما يسهم في تباطؤ معدلات التنمية، وهو ما ينعكس بالسلب على الشارع المصري، لذلك يجب إعادة صياغة القوانين المنظمة لعمل الجهاز الإداري..
بحيث تكون القوانين في الأساس أداة معاونة على رفع كفاءة الأداء وتمكين القيادات الإدارية من تحمل مسئولياتها واستخدام صلاحياتها بحرية مسئولة، لا أن تكون وسيلة للتقييد والتعويق، بما يؤدي إلى تراجع القيادات الإدارية عن ممارسة دورها الطبيعي.
الإصلاح الحقيقي لقطاع المحليات في مصر يبدأ من خلال علاج منظومة الخلل الواضح في الأجور بين قطاع المحليات والقطاعات الأخرى، فكل موظفي الدولة لهم الحقوق نفسها وعليهم الواجبات نفسها، وبالتالي التمييز في الرواتب بين القطاعات المختلفة يشعر موظفو المحليات بالغضب والإحباط، الذي ينعكس على إنتاجيتهم وعملهم..
هناك نقطة مهمة في قضية الأجور وهي تضارب طرق توزيع الأجور المتغيرة المسماة بالإضافيات، فلا توجد معايير واضحة ثابتة لتوزيعها، فما يحدث خلل حقيقي وكارثة تنشر سياسات الاحتقان والفشل بين أبناء القطاع الواحد التي تنعكس بالسلب على العمل والإنتاج، وبالتالي نسير كالعادة في الاتجاة المعاكس لبرامج وسياسات التنمية والإصلاح.
أؤكد أخيرا أن المحليات في مصر هي البوابة الحقيقية للتنمية والنهضة المنشودة والقادرة على تحقيق آمال وتطلعات المصريين وتحقيق أهداف الثورات المصرية، وبها الكثير من الخبرات والكفاءات القادرة على تطويرها، لكن متى نرى محليات متطورة عصرية؟!.
dreemstars@gmail.com