ليتهم سكتوا
على رأي المثل الدارج جاءت تكحلها فأصابتها بالعمى، هكذا فعلت الست رانيا يوسف بعد أن اعتذرت خرجت لتعلن أنها كانت ترتدي بنطلونا لكنه شفاف، وبعد أن سامحها الناس وتعاطفوا معها نتيجة الحملة الضخمة ضدها أصرت على خسارة الرأي العام بحوارها الغبي في إحدى القنوات..
وزاد الطين بلة كما يقولون إن تخرج الست ريهام سعيد وتدعو لمعاقبة المصور الذي صورها من الخلف، باعتباره أنه هو الذي نشر الفجور وليست التي وقفت تستعرض الفستان من كل الزوايا أمام الكاميرات، وغالبا لا يفصل بعض الشخصيات العامة بين عملهم وحياتهم، وبعضهم يتوحد لدرجة أن بعض الضباط يتعاملون مع زوجاتهم وأولادهم على أنهم متهمين..
ترى الشخص يزين صفحته بحكم وأقوال مأثورة، وعند أول اختبار فكري يقفز من داخلة أبو بكر البغدادي بكل بشاعته وإرهابه، وفِي هؤلاء قال القرآن (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)، وقمة التناقض أن تجد في الدول ذات الأغلبية المسلمة التي تعتقد أن الغرب يتآمر عليها طوال الوقت ثم تذهب لشراء الأسلحة منه لقتل المسلمين، وكما تفاخر جميعهم بوصول سيدات مسلمات إلى الكونجرس الأمريكي بينما هم في بلادهم يعتبرونها ناقصة عقل ودين، ويحرمونها من تولي الوظائف العليا، ويحرمونها من السفر وحدها بحكم أنها قاصر ومعرضة للفتنة، ولا بد من وجود محرم معها..
وهكذا، في مواقف كثيرة يكون الصمت هو الحد الأدنى لاحترام عقول الناس خاصة للمسئولين التنفيذيين، وتحديدا للوزراء الذين ليس لهم سابق خبرة ولم يتم تأهيلهم سياسيا لمواجهة الشارع بذكاء، كما يحدث في كل مكان بالعالم، لأن المنصب ليس خبرة فنية فقط بقدر ما هو منصب سياسي يحتاج لمواصفات أخرى غير الشهادات ورضي الأجهزة الأمنية والرقابية الذي منه، وكم صدرت تصريحات استفزازية تنم عن الجهل السياسي وقلة الخبرة وربما عدم التدريب على كيفية الكلام وسرعة البديهة..
ومؤخرا سأل مواطن غلبان وزيرة الصحة عن أسباب ارتفاع أسعار الدواء، فردت ببراءة أن يكون أغلى وموجود أحسن من أنه يكون غير موجود، وكما قال وزير البترول إن مشكلة الطاقة مجرد أزمة نفسية، وآخر يهدد بنفخ الموظف المتكاسل عن العمل، وإن لدى مصر مستشفيات أفضل من بريطانيا على حد زعم وزير التعليم العالي الأسبق سيد عبد الخالق..
وكشفت غادة والي أن بالجنة موسيقى وكمان باليه، وعندما غرقت سفينة فوسفات بالنيل بشرنا يومها وزير البيئة أن الحادث سيزيد من الإنتاج السمكي، وأن هناك بعض الدول التي تلقي بالأسمدة في مصادرها المائية لزيادة الثروة السمكية، وعلى النهج نفسه قال وزير الشباب السابق إنه كان طالبا فاشلا وأصبح وزيرا، ولن ينسى المصريون ما قاله الوزير نبيل فهمي وزير الخارجية الأسبق إن العلاقة بين مصر وأمريكا هي زواج شرعي، وبالطبع لم يكن الوزير مرفقا وهو المثقف المخضرم..
وخلال حكم الإخوان اقترح رئيس الوزراء هشام قنديل أن تجلس الأسرة كلها في غرفة واحدة لترشيد استهلاك الكهرباء، وهو نفسه الذي انتقد نساء بني سويف أنهن لا ينظفن أثدائهن قبل الرضاعة مما يصيب الأطفال بالأمراض، وعندما سألت صحفية صلاح عبد المقصود وزير إعلام الإخوان عن حرية الصحافة قال لها (إبقي تعالي وأنا أقولك فين)، وتكرر الموقف ذاته عندما سألته مراسلة عن إنجازاته فرد عليها قائلا (تعالي وأنا أوريكي)، وعندما سألته مذيعة التليفزيون المصري عن استمراره من عدمه قال لها (أنا قاعد على قلوبكم)..
ولم يتحكم الوزير عبد القوي خليفة وزير مرافق مياه الشرب والصرف الصحي الأسبق في لسانه وقال (الحكومة ماعندهاش لله واللي يبني مسجد يكلفه من حيبه)، وعلى المنوال نفسه قال سعد الجيوشي وزير النقل الأسبق إن إصلاح الطرق سيزيد الحوادث لأن نعومة الطرق ستغري السائقين بالسرعة..
وخلاصة الأمر أن هؤلاء لو سكتوا لأراحوا واستراحوا، لكنها الألسنة المنفلتة التي لم تجد من يروضها في البيت والمدرسة والجامعة والأحزاب، بل راح الجميع يتجرؤن على القواعد بتطرف بين التنقيب والتعري، ولكل منهما مؤيدين ومشجعين وعلى اختلافهن اتفقن في أن الوجه كالمؤخرة، فمن تغطي وجهها تعتبره كالمؤخرة لا يظهر أي منها، ومن تكشف مؤخرتها تعتبرها كوجهها لا شيء في أن تظهرها أو لا تظهرها وهو مجرد نموذج لكلام الفراغ.