كيف هزم الأمن الفرنسي خطط الفوضويين؟
توقع العالم، والعرب، والمصريون على وجه أخص، يوما باريسيا ترتفع في سمائه كرات النار والدخان، غير أن الخطة الأمنية التي طبقتها الداخلية الفرنسية نجحت حتى الساعات المتأخرة من نهار أمس، في كبح جماح المجموعات المهووسة بالتخريب، داخل مستطيل الشانزليزيه، والشوارع الموازية له، أو في أرجاء فرنسا.
وكان وزير الداخلية الفرنسي أعلن عن أسلوب أمني مختلف، ومن الواضح أن هذا التكتيك، على حد تعبيره، حفظ للشرطة الفرنسية بمختلف أفرعها، الأمن السياسي، وأمن مكافحة الشغب، وأمن مكافحة الإرهاب، هيبتها، التي سقط أجزاء كبيرة منها خلال مصادمات السبت الماضي.
يمكن رصد أبرز ملامح الأداء الأمني الفرنسي حتى ساعات الهدوء النسبية ما قبل منتصف ليل أمس على النحو التالي:
١- الاستفادة الكاملة من الكاميرات التي صورت المشاركين في أعمال العنف والشغب، وتحديد الأشخاص المسئولين عن الحرائق والسرقات وأعمال التخريب، وحصرهم واعتقالهم، وبذلك أبعدت الشرطة في إجراء وقائي اجهاضي عناصر مخربة غريزتها الفوضي المطلقة ليس الإ!
٢- تم التعرف على المجموعات المشتركة في الاحتجاجات: يمين متطرف، يمين تخريبي، يسار متطرف، يسار فوضوي تخريبي، طبقة متوسطة ارهقتها السياسات الضريبية القاسية لحكومة رئيس الوزراء ادوارد فيليب، أصحاب معاشات، عائلات محدودة الدخل، لا تكفيها ال ١٢٠٠ يورو، نصفها أجرة السكن !
ادي معرفة المشاركين في مسرح العمليات إلى حصرهم وإحصائهم وتحديد الأعداد المناسبة لمواجهتهم من أفراد الشرطة. وهكذا نزل ٨٩ ألف شرطي، معلن وسري، للوقوف في وجه ٣١ ألف محتج وفق الارقام الرسمية، و١٢٥ ألف محتج وفق تصريحات مشاركين فاعلين في السترات الصفراء.
في باريس وحدها كان عدد المحتجين ثمانية آلاف (الرواية الحكومية)، ونزل لهم ثمانية آلاف شرطي مدججين بالغاز المسيل للدموع ومدافع المياه، سخن وبارد، و١٢ عربة مدرعة.
٣- الاعتقالات الوقائية، والاعتقالات الميدانية بلغ مجموعها نحو أكثر من ١٧٢٣ معتقلا،. معتقلو السبت الماضي كان من بينهم طليان وبلجيك وأوروبيون آخرون.
صب المحتجون غضبهم على إحراق سيارات الباريسيين في الشوارع الخلفية بعد فشلهم في فرض السيطرة على الشانزليزيه أو الوصول إلى القصر الرئاسي.
٤- وقع انقسام نفسي وسلوكي استفادت منه الدولة الفرنسية والنظام معا، فلقد أعرب محتجون كثيرون من حركة السترات الصفراء عن رفضهم القاطع للتخريب والحرق وتكسير الطرقات ونزع البلاط وقذف الشرطة به. هؤلاء السلميون بدورهم تلقوا تهديدات بالقتل لهم ولعائلاتهم، أن هادنوا السلطات الفرنسية أو قبلوا التفاوض مع الحكومة.
يمكن أيضا رصد ما يلي :
١- أن نزول المزارعين والطلبة المعلن عنه قبل الاحتجاجات بيوم واحد لم يكن له أثر في قوة الاحتجاجات أوالقضاء على هيبة الأمن في فرنسا.
٢- أن هناك نمطا ثابتا في التحضير العمدي، أو الانفجار العشوائي لأي جماهير ساخطة. في البداية تكون المطالب اجتماعية، ثم لا تلبث أن تتحول لمطالب سياسية مع التركيز غالبا على الاطاحة برأس الدولة وحل البرلمان وإقالة الحكومة. في حالة فرنسا ارتفعت كل هذه المطالبات، لم يكن من بينها أبدا شعار وقح تردد في ميدان التخريب في مصر المسمى بالتحرير، يسقط حكم العسكر!
٣- لم يظهر طرف ثالث، كلنا كنا نعرفه وقتها ولم يجرؤ أحد على تحديده بأنه الإخوان وعملاؤهم أو أسيادهم في قطر وتركيا وحماس الإرهابية.
٤- في مظاهرات السبت الماضي بلغ عدد القتلي أربعة أشخاص فقط، واليوم وحتى كتابة هذه الأفكار، لم يعلن عن قتيل واحد، بل جرحى بلغ عددهم ٣١ مصابا.
تلك ملامح من سحائب الدخان التي عكرت سماء باريس وكدرت أيامها قبيل الكريسماس وافراحه، وخابت معها توقعات عربية ومصرية من جمهورية فيس بوك بيوم دام يصلح للشماتة والشحتفة والمواساة!.. انتهى السبت لكن الأحد لا يزال في ساعاته الأولى.. والصدام لا يزال مفتوحا.