«ريجيني» كان شمال
أتعجب كثيرا من الأسلوب المتحضر ـ الزائد عن الحد ـ الذي تتعامل به السلطات المصرية مع "الطليان" فيما يتعلق بقضية مقتل "جولي ريجيني" والوقوف من القضية موقف "المدافع على النفس" طوال السنوات الماضية، دون أن توضح للجميع ــ وعلى العلن ــ أن "الباحث الإيطالي" ما هو إلا سائح "خالف كل القوانين المصرية" ودخول البلاد بموجب تأشيرة "سياحة" وأقام فيها دون الحصول على موافقة السلطات، وقام بالاتصال بفئات مختلفة من المصريين، وشرع في إجراء أبحاث على "النقابات العمالية المصرية المستقلة" دون إخطار الجهات المعنية، وهو ما لا يستطيع سائح أجنبي أن يقوم به في أي دول العالم.
وعلى الرغم من أن كل الشواهد تؤكد أن "ريجيني" كان مخالفا، وأن هذا بالطبع لا يبرر جريمة القتل البشعة التي تعرض لها، فإنه على الجانب المصري أن يطلب من "الطليان" ضرورة توضيح الشخصية الحقيقية لـ"ريجيني" ومدى أهميتها؟ حتى تقوم إيطاليا ودول الاتحاد الأوروبي بشن مثل هذه الحملة على مصر من أجله بين الحين والآخر؟" على الرغم أن عشرات الطليان والأوربيين يموتون يوميا في العديد من دول العالم، ولا يتحرك لموتهم أحد، وهو يؤكد أن "ريجيني" هذا، لم يكن سائحا أو طالبا أو باحثا عاديا، لكنه كان شخصية على درجة كبيرة من الأهمية، ولا تريد "السلطات الإيطالية" الإعلان عن حقيقتها حتى الآن.
ولا أدري، كيف لم يخطر على بال الطليان، وهم يطالبون بإدراج عدد من رجال الشرطة المصرية في لائحة الاتهام بالقضية، أن كل مطالبهم قد بنيت على "شكوك" تتعلق بإجراء الأمن المصرية تحريات عن "ريجيني" وهو عمل-إن كان قد حدث - فهو يدخل في صلب عمل الشرطة في كل دول العالم، ولا يعد "دليل اتهام"..
وإنه قد غاب عن ذهن الطليان "عقيدة" تعد من بدائيات عمل كل أجهزة الأمن في العالم، تؤكد "أنه لا يمكن لجهاز أمني، القيام بجريمة داخل حدود دولته، إلا وكان قد أعد سيناريو الخروج منها مسبقا" وأنه من غير المعقول أن يقوم الأمن المصري بجريمة تعذيب وقتل مثلما تم مع "ريجيني" ويقوم بإلقاء جثته بمثل هذا "الغباء" وعليها كل هذا الكم من آثار التعذيب، وفي مكان واضح للجميع، وهو ما يؤكد أن من ترك الجثة في هذا المكان، وبذلك الشكل، أراد "إلصاق التهمة بمصر".
للأسف، لقد غاب عن ذهن البرلمان الإيطالي وهو يقرر قطع العلاقات البرلمانية مع البرلمان المصري في الأسبوع الماضي، تطبيق أقل مبادئ قواعد البحث عن الجاني في مثل هذه القضايا، التي يتم بناؤها دائما على "الدافع من وراء الجريمة، والمستفيد منها" التي ستخرج في نهايتها بالتأكيد، أنه "لا دافع لدى أجهزة الأمن المصرية لقتل الباحث الإيطالي، ولا فائدة لمصر من وراء التخلص منه".
إن التحليل المنطقي لمقتل "ريجيني" يؤكد أنه لم يكن "باحثا" وأن حقيقة شخصيته لم تظهر بعد، وأغلب الظن، أنه كان على علاقة بجهات كانت تعلم يقينا أنه "يحمل معلومات على درجة كبيرة من الأهمية" وأنها من قامت باختطافه وتعذيبه للحصول منه على تلك المعلومات، وإلصاق التهمة بمصر، بدليل "الإيميلات المجهولة" التي تلقاها الجانب الإيطالي بعد أيام من العثور على جثته، التي ألصقت جميعها التهمة بالشرطة المصرية..
ثم التصريحات "المجهولة" التي نسبت "زورا" إلى الأمن المصري بعد ذلك بأيام، التي زعمت توصل مصر إلى قتلة "ريجيني" وجميعها أكاذيب انساقت وراءها الحكومة الإيطالية، تحت ضغوط سياسية داخلية في إيطاليا تباشرها أحزاب لأهداف انتخابية، ومعها جهات معادية لمصر، تحرك القضية بين الحين والآخر بهدف إفساد العلاقات بين البلدين.