رئيس التحرير
عصام كامل

المجتمع «الهش» الذي يترنح بالسوشيال ميديا!


منذ 25 يناير ونحن في حالة من الصعب تفسيرها بشكل واضح وقاطع، تاهت من معالم حياتنا ملامح وتقاليد تأسس عليها مجتمعنا، أصبحنا مجتمعا تقوده ما يسمى السوشيال ميديا، مجتمعا "هش" يترنح لأي شيء صغير ربما يكون "تافها" لا يستحق الوقوف أمامه، افتقدنا هيبة الكبير، كنا نفتقد الثقة في المسئولين قبل 25 يناير وزاد نسبة فقدان الثقة بعدها أكثر، حلمنا برفع مستوى المواطن البسيط المطحون في كل العصور، فأصبح الواقع يؤكد أن ذلك أصبح أضغاث أحلام..


تخلصنا من حكم ثلاثين سنة على أمل أن نكون أفضل، وتخلصنا من ورم سرطاني كاد يسيطر على جسد مصر وهو المسمى الإخوان المسلمين، ومجرد التخلص من هذا السرطان يعد من أبرز إنجازات 30 يونيو، لكن يبقى المجتمع مترنحا بكل فئاته، متربصا بعضنا البعض، لا شيء صح على الإطلاق، هكذا يرى المجتمع ما يحدث في مصر، الحكومة تختار الأسوأ أو الأفشل، أو تخفي رأسها في الرمال، القطاع الخاص يغيب عنه الضمير، العلاقات الإنسانية أصابها الوهن، إلى أين نحن نسير؟!

المسئولون يمارسون الكذب والدجل وكأنه أصبح من مسوغات الاختيار، وزير التربية والتعليم أدخل الأسرة المصرية والمجتمع في دوائر متقاطعة لا نعرف أولها من آخرها، المثير ويستفز المواطن البسيط عندما تنشر في وسائل الإعلام المختلفة صورا لبعض المدارس الأجنبية الجديدة، وهي مجهزة بأعلى وسائل وتقنيات حديثة وبها أقل من عشرين طفلا مهندمين، وفي الوقت نفسه أبناء الغالبية من أبناء الشعب في مدارس آيلة للسقوط وأكثر من ثمانين طفلا في المدرسة..

أقول للوزير وحكومتنا الرشيدة إن هذا ليس تطويرا إنما هو التخلص من أبناء الشعب، والتركيز على شريحة صغيرة تجعلنا نتذكر نسبة النصف في المائة قبل ثورة 23 يوليو، الذي يحيرني أن أي مشروع يسعى من خلاله أي تطوير للمجتمع يكون في القاهرة!؟ لماذا لا تكون البداية من قرى ونجوع مصر؟ لماذا لا نبدأ من مطروح والعريش وسيناء وكفر الشيخ وأسوان وقنا؟ لماذا دائما نهتم فقط بتقديم أي جديد من خلال العاصمة المتخمة بكل شيء وأصبح عطاؤها لا شيء؟!.

مررت بشوارع مصر الجديدة الأسبوع الماضي ولاحظت وجود قضبان مترو عبد العزيز فهمي والميرغني والنزهة، ولا تزال محطات هذه القطارات سليمة، ومجرى هذا القطارات لا تُستخدم، هذه القطارات كانت تنقل يوميا ما يقرب من مليون ونصف المليون مواطن على الأقل، تم إهمالها حتى لا يتم إعادة الحياة لها مع العلم أنها وسيلة مواصلات راقية جدا وتخدم مناطق كثيرة..

السؤال لمصلحة مَن هذا الإهمال؟ في الوقت الذي يتم الاقتراض من أجل القطار الكهربي الذي يصل إلى خمسين مليار جنيه عدا الفوائد وخلافه؟! هل المسئولون لا عقول لهم؟ هذا القطار الكهربي الذي سيتكلف المليارات كم مواطن سيستخدمه؟ ماذا قالت دراسات الجدوى التي المفترض أنها تحدد المستهدف كم راكب، توفير الوقت.. إلخ، وطبيعي دراسات الجدوى تحدد تكلفة الصيانة وعمر القطار الافتراضي و...و....إلخ

كما قلت من قبل لا أحد مسئول… لا أحد يسمع أو يريد أن يسمع، وفي الوقت نفسه نسمع معايرة المسئولين للمواطن بالدعم الذي في الحقيقة تم إلغاؤه، ومع هذا يخرج وزير النقل ليقول إن تذكرة المترو يجب أن تكون 25 جنيها وهي التكلفة الحقيقة للصرف على المترو، وأشياء كثيرة تؤكد أن المسئولين في عالم والمواطن البسيط في عالم آخر، ومثل خروج وزير التموين مبررا أزمة الطماطم أن الغرب لا يطبخ بالطماطم، تصريحات مستفزة للمواطن البسيط.

ماذا حدث لنا؟ هل نحن أصحاب أقدم دولة في التاريخ بهذه السطحية!؟ هل فستان قبيح ترتديه فنانة لا تحترم نفسها ولا المجتمع يحدث كل هذه الضجة!؟ هل اختفاء سلعة مهما كانت هذه السلعة تحدث هزة في المجتمع؟!.

ماذا حدث لنا؟
نعم.. تعودنا من حكامنا أنهم يتحدثون عن غد أفضل ولا يأتي أبدا، منذ محمد علي وعدونا أن الغد أفضل، الغريب كل حاكم يتحدث وكأنه سيبدأ من جديد، عندما قامت ثورة يوليو عشنا الحلم العروبي وغزو الفضاء لأن ما قبل الثورة العهد البائد، ويأتي السادات ويتحدث التركة المثقلة ليس التي تركها عبد الناصر فقط بل في عام1980، قال في حديثه للسيدة همت مصطفى في التليفزيون المصري "في العشر سنوات الماضية تم اتخاذ قرار كل عام يصحح أخطاء من 110 سنوات".

وعندما جاء مبارك تحدث عن البنية التحتية التي أهملت في السنوات التي قبله على الرغم أنه كان نائبا لرئيس الجمهورية، الغريب أن مبارك أمضى في الحكم أكثر مما أمضى عبد الناصر والسادات معا، والمحصلة استشراء الفساد في كل مفاصل المجتمع، وجاءت 25 يناير، وجاءت 30 يونيو وما زلنا في دائرة من الحيرة والقلق!

ماذا حدث لنا نحن المصريين؟! من أين نبدأ حتى نكون جديرين بأن نكون أحفاد الفراعنة الذين لا يزال العالم يقف لهم احتراما وإجلالا واندهشا أيضا، الفراعنة الذي تقدموا في العلوم فأجروا عمليات في المخ منذ آلاف السنين!.؟
من أين نبدأ.. الدولة.. المواطن.. من أين؟!.
أُجيب على سؤالي.. أبدأ بنفسي أولا.. !
وتحيا مصر.
الجريدة الرسمية