ساعدوا رجال العدالة
خلال عملي الصحفي، قضيت بضع سنوات من عمري في تغطية جلسات المحاكم، التي لم تخلُ من غرابة، تَدعونا لمساندة أجهزة التحقيق ومنصات العدالة جراء ما تواجهه من غرائب.
بعض تلك المواقف، رويت لي من الكبار، وبعضها عشتها بنفسي، حيث كانت إحدى المحاكم تنظر قضية اغتصاب، ووقف المتهم في مواجهة المجني عليها وقد أُدين بتهمة الاعتداء عليها، ولجأ محامي المتهم لتفنيد أدلة القضية، ليؤكد للمحكمة أن موكله فعلا متهم، لكن المجني عليها دمرت سجادة قيمتها 10 آلاف جنيه، أثناء الجريمة، وبعد استفزاز محامي المتهم للمجني عليها وطلبه بتعويض عن قيمة السجادة، صرخت أمام المحكمة أنها كانت غير مرتدية حذائها، ليثبت المحامي توافر ركن الرضا لدى المتهمة، بما يكذب اتهامها لموكله أنه اعتدى عليها.
وفي الثمانينيات شهدت إحدى المحاكم مشادة بين قاضٍ وضابط بالجلسة، فأمر القاضي بحبس الضابط ورفض معظم المحامين الموافقة على الدفاع عنه خوفًا من موقفهم أمام القاضي، إلا أن محاميا وحيدا وافق على الدفاع عن الضابط ليقف مترافعًا أمام المحكمة، دون ذكر مادة قانونية واحدة، مؤكدًا أن قيم الدين تعلي التسامح وأن القاضي الذي يترافع أمامه هو من أساتذة القانون المشرعين، وبعدها طلبت المحكمة من المحامي تقديم طلبات دفاعه، فطلب براءة موكله، وبرأت المحكمة الضابط ليطلق زملاؤه الأعيرة النارية أمام المحكمة فرحًا بالحكم.
وهكذا تتعدد الروايات ووقائع القضايا أمام المحاكم، وسط مطالب متصاعدة بأهمية العدالة الناجزة وسرعة الفصل في القضايا، في حين أن المحاكم المصرية بمختلف درجاتها، ما زالت بحاجة إلى مزيد من الدعم الفني والتقني وتأهيلها، وكفانا ضغطا على رجال العدالة من أعضاء النيابة العامة والإدارية والقضاة، لأننا للأسف نطالب بالعدل مظلومين ونرفضه ظالمين، لأنه ليس من المنطق المطالبة بالعدالة الناجزة ونحن نُحاصرها بعدم توفير متطلباتها وتجاهل دراسة وتحقيق مطالب قضاتنا الذين طالما تحملوا صبرا في سبيل مصر.