الفساد والعمل الخيري
وصل الفساد في مصر آفاقا لم يصلها في أي بلد في العالم، وهو الفساد في أموال الزكاة والصدقات التي من المفترض أن تكون أموال اليتامى والمساكين والأرامل والفقراء والأطفال الذين يصارعون الموت مرضا.
ومؤخرا طالعتنا الصحف ببيان منسوب إلى وزارة التضامن الاجتماعي وصفته أنه بيان تبرئة لإحدى المؤسسات الخيرية من اتهامات بالفساد، إلا أن البيان بدلا من إغلاق باب الاتهامات كما ظن من كتبه أدى إلى اتساع دائرة الاتهام لتضم جهات حكومية تحاول التغطية على أحداث يشهد عليها المجتمع كله سبقت بها مصر كل بلدان العالم.
لم نر في أي دولة من دول العالم مؤسسات خيرية تطلب تصميمات مبهرة لأبنيتها بتكلفة كبيرة من الكماليات المستوردة غير المسبوقة في المستشفيات الخيرية في بلاد العالم، التي من المفترض أن تتسم بالبساطة والتقشف والرقابة المالية والاقتصادية المحكمة لتوجيه الأموال لتقديم خدمة جيدة إلى أكبر عدد ممكن من المستحقين.
ثم نأتي لظاهرة الإغراق في الإعلانات خاصة في المواسم، ثم الإنفاق على برامج إعلامية تحت مسمى الرعاية، حتى وصلت الأمور إلى دفع عشرات الملايين في إنتاج مسلسلات تليفزيونية، وكثرت المقالات التي تتهم تلك المؤسسات بالفساد في التوظيف ومنح الرواتب والمكافآت والخدمات المجانية الشخصية للعاملين بها، عكس ما رأيناه من اعتماد المؤسسات الخيرية في الخارج على المتطوعين والمقارنة الدائمة لرواتب العاملين بها مع رواتب الوظائف المناظرة بمؤسسات الدولة، واعتبار المنح والخدمات جزءا من الراتب حتى لا يصبح العمل الخيري مغنما وهدفا للتربح من أموال الصدقات.
وتضمنت الاتهامات ادعاءات بالمساعدة على التهرب الضريبي عن طريق منح إيصالات تبرع رسمية تخصم من الضرائب مقابل تبرعات عينية لا تذهب للمرضى خاصة في الإعلانات وغيرها.
وامتدت الادعاءات إلى وجود فساد سياسي في استقطاب شخصيات عامة بمشاركتهم في الدعاية وتقديم دعوات مدفوعة لهم بحفلات ورحلات على هيئة زيارات ومؤتمر شاملة الانتقالات والإقامة إضافة إلى تلاقي المصالح للطرفين في الترويج الإعلامي وغير ذلك كثير.
والآن نقف أمام اتهامات جديدة وجهها الأستاذ وحيد حامد الذي أثار القضية بمقالته حينما تكلم عن إجراء تحقيقات صورية من جهات غير مختصة هو إحدى طرق دعم الفساد والتغطية عليه تماما كمنع النشر في الموضوع.
والتساؤل حول حصانة أموال التبرعات التي تعتبر مالا عاما مخصصا للغرض الذي حدده المتبرعون والاتهامات بالفساد في المال العام قد يكون محل التحقيق فيها فيها نيابة أمن الدولة العليا (كما حدث مع أطباء الزقازيق الذين اتهموا بتسهيل الرشوة لأن مريضا دفع ألفين جنيه لشراء مستهلكات لأزمة لإجراء جراحة له).
وقد قرأت البيان الذي نشرته الصحف الذي جاءت سطوره تخالف عناوين التبرئة بل وتؤكد على صحة الاتهام الموجه باستخدام أموال التبرعات في إنتاج مسلسل تليفزيوني تحت اسم الشريط الأحمر وإغلاق غرف لمرضى طوال فترة التصوير، وعلل البيان ذلك أنه ضمن أهداف المستشفى للتوعية.
أكد البيان أيضا على صحة الاستيلاء على مدرسة الصباح الإعدادية في منطقة السيدة زينب التي تفتقر للمدارس مقابل تقديم خدمات للمنطقة التعليمية.. أظهر البيان تكهين أجهزة ما زالت صالحة للعمل وشراء غيرها، ولم تبحث اللجنة نهائيا تكلفة الخدمات التي يقدمها المستشفى بحساب ما تم جمعه من أموال وتبرعات عينية وخدمية مقارنة بعدد المرضى الذين تم علاجهم، مقارنة بأسعار العلاج في مصر، حتى في الخارج ومظاهر البهرجة الكبيرة في الإنشاءات والإعلانات والتي لا توجد في عمل خيري في أي بلد في العالم.
وقد رد وحيد حامد على التقرير قائلا إن لجنة تحقيقات الوزارة «لم تطلب شهادته ولا شهادة الأستاذ أسامة داود، ولم تطلع على المستندات التي كانت بحوزتهما»، معقبا: «وزارة التضامن مش معقول تحقق مع نفسها وتدين نفسها»، معتبرا أن «تقرير الوزارة يحمي الفساد».
وتابع: «رصدنا مشكلة الموظفين الأقارب المعينين، التقرير لم يذكر العائلة التي تدير المستشفى ولم يذكر مخصصات الإعلانات ولم يذكر وقائع استغلال الأطفال في الدعاية ولا الأموال التي أنفقت في غير علاج المرضى».
الخلاصة أن وقائع الفساد المفردة قد يمكن إنكارها أو التغطية عليها لكني أظن أنه من الصعوبة بمكان أن يستطيع أحد تغطية على فساد مستمر، خاصة إذا كان يتعلق بأموال، فأموال الزكاة والصدقات تحميها كل الشرائع والقوانين.