رئيس التحرير
عصام كامل

هل الشانزليزيه امتداد للتحرير؟


جماعية المصيبة، الجماعية في حد ذاتها تخفف من وقعها الأسود المدمر على الأفراد موضوع المصيبة، ووجود حريق في بيت بعيد عنك كنت تعتبره مركز الشر عليك والفقر لك، لن يعني أنك بمعزل عن الحريق، ببساطة يمكن أيضا القول إن الشماتة فيما يجري للفرنسيين، في فرنسا، وللهولنديين والبلجيك في بلادهم، ليست سوى حسرات في جوهر الشعور على أن هذه الدول كانت تتفرج على المنطقة العربية وهي تحت التخريب، وتلتهمها النيران التي أججتها أجهزة مخابرات أوروبية.


لا بد من الاعتراف أن المصريين، وبعض العرب، كانوا يتابعون ما يجري من تخريب وحرائق ومواجهات وأعمال سلب ونهب في شارع الشانزليزيه بقلب باريس، كأنما يستأنفون متابعة دراما التخريب والحرق والسلب والنهب في ميدان التحرير.

وبمجرد امتداد روح التمرد الفوضوية من باريس إلى هولندا وبلجيكا، حتى رشحها المصريون في أمانيهم، للامتداد إلى لندن وكر التآمر على المنطقة! لماذا انغمسنا في المتابعة وفي التمني وفي الترشيحات؟

جزء منا يدرك أن أوروبا لم تكن بعيدة عن دمار وتدمير ليبيا، خصوصا فرنسا المجرم ساركوزي، فضلا عن تدمير سوريا، وجزء أكبر منا يود لو الألم يجتاح من تفرجوا عليه، وجمعوا عليه جيوش العالم، وجزء ثالث يرى أن دورة الفوضى لا بد أن تتمطع وأن تتسع وأن تأخذ مداها الطبيعي، ومداها لم يبلغ حدوده القصوى بعد، وهي الولايات المتحدة نفسها.

هي مشاعر بالتأكيد لونها أسود، محترقة، بفعل ما تعرضنا له، لكنها في النهاية تنطوى على معنى واحد ساطع، وهو أننا في الهم والغم سواء، وأن المتحضرين الفرنسيين تصرفوا كالهمج الذين سرقوا ونهبوا وأحرقوا كارفور والمولات والبيوت والمحال.

وبات المصريون يترقبون يوم السبت المقبل، حيث تندلع المواجهات بين أصحاب السترات الصفراء، والأمن الذي هو بدوره متعاطف مع أهداف هذه الحركة التي بلا قائد، لها قائد سري بالتأكيد من وسط جماعات اليمين الفوضوي المتطرف، اليمين المتطرف نجم خراب صاعد ليس فقط في فرنسا بل أيضا في جميع الدول الأوروبية.

هذا اليمين يمقت العرب والمسلمين والمهاجرين الأجانب، يراهم استولوا على الوظائف، وتمتعوا بالإعانات وفلوس البطالة، لم يندمجوا في المجتمع الأوروبي، بل كفروه واحتفظوا بتخلفهم معهم، وعاداتهم وأفكارهم باتت تهدد الحضارة الغربية والرجل الأبيض، لا بد إذن من مطاردتهم وطردهم وترويعهم وردهم إلى بلادهم، وإخلاء أوروبا للأوروبيين.

العنصرية كانت فاضحة جدا حتى في المواجهات بين الفرنسيين العاملين في محال ومطاعم باريس، وبين الأشخاص العاديين من أصحاب السترات الصفراء الذين كانوا يدمرون هذه المطاعم والمحال، جاءوا من الضواحي والهوامش، هناك تسجيل فيديو شهير عن حوار بين العامل الباريسي والمخرب من جنوب فرنسا، كان الأخير يحسده لأنه يعمل في باريس، وهو لا يعمل حتى في بلدته، كان العامل الباريسي يستمهله ويستوقفه عن تدمير المطعم، لكن المخرب كان يملؤه الحقد!

هنا بالفعل مكمن الخطر المحدق، لقد انطلق الغل المدمر، وصحيح أن حكومة ماكرون تراجعت عن زيادات البنزين وغيرها من ضرائب البيئة، لكن لن يكتفي "الثوار" بالإصبع، سيطلبون الكف، وبعدها الذراع، ثم ماكرون نفسه. يتحدثون عن أن قرار التراجع أقل من التوقعات، ارتفع سقف المطالب، ليس هذا جديدا، هو ترتيب طبيعي غريزي للجماهير الغاضبة حيث تقع استجابة لمطلب فتطمع منتهزة ما تظنه ضعف وهوان الطرف الآخر.

من ناحية أخرى فإن سيناريو ضرائب باريس وحرائق الشانزليزيه، وجد فيه المصريون وسيلة لتلقيح الكلام على الوضع هنا! كان لسان حالهم في التعليقات أن أتعظى يا حكومة مدبولي، فات علينا أن فرنسا خسرت فقط 400 مليون يورو في قطاع النقل، وخسائر قوس النصر مليون يورو، والقتلى لم يزد عددهم على أربعة، اقتصاد فرنسا يتحمل، نحن نزلنا باقتصادنا أيام التخريب في الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١ إلى ما تحت الصفر.
وفي ظني أن الرفض ليس مركزا كله على ضرائب ماكرون.. بل على الشاب الساذج نفسه!
المسرح مرشح لمزيد من الضغوط والتنازلات..
الجريدة الرسمية