رئيس التحرير
عصام كامل

دواعش العلمانية


عندما تجد الدكتور "عمرو حمزاوي" أستاذ العلوم السياسية، متحمسا لمناقشة شيخ الأزهر في علوم السنة النبوية، والدكتور "أحمد عبد ربه" مدرس النظم السياسية متفرغا لمجادلة علماء الدين في حجية السنة، تفهم بسهولة كيف أضاعت النخبة المصرية التخصص، وكيف أحبطوا أي أمل في إنقاذ الوطن ظنا منهم أنهم يحتكرون الثقافة وبأيديهم صكوك الحقيقة وحدهم..


وعندما كان الكاتب الكبير "عادل حسين" ماركسيا كانت شلة اليسار تعتبره واحدًا من المفكرين، وعندما أخذ منحى إسلامي اعتبروه مثقفا سابقا، وكان "إسماعيل أدهم" كبير الملحدين وقدوتهم قد انتهى به المطاف غريقًا بإلقاء نفسه في بحر الإسكندرية..

ربما يأسا من هلاوسه عن الكون والخلق والعدمية وفق مناهج الإلحاد التي وضعها البلاشفة في روسيا، كمقرر إلزامي بعد أن وضعوا الأديان عدوا لهم، وقاموا بإغلاق الكنائس والمساجد، ونكلوا برجال كل الديانات، وانتقلت العدوى بسرعة للمنطقة ومصر، وبات الإلحاد وجاهة ثقافية، وراح هؤلاء المتعلمنين يأخذون من المصادر المدسوسة للسخرية من معتقدات الغالبية، والتشهير بالسنة النبوية، واعتبروا ذلك الفحش حرية رأي..

بينما لا يجرؤ واحد منهم على نقد "الهولوكست" احتراما لليهود، لأن القوانين الدولية تجرم ذلك، بينما تترك الإسلام والمسيحية مرتعا لهؤلاء المرضى من ذوي الخفة وضعف المعرفة، الذين يعيدون أقوالهم ويكررونها في ثرثرات لا تنقطع على المقاهي ومواخير وسط البلد، خاصة بعد تبخر الماركسية في الهواء على يد الرفيق" جورباتشيف"..

وكما يقول بوست رائع على فيس بوك "قد مضى زمن الأيدلوجيات، ولم يعد أمام فلول الرفاق سوى اللهث وراء أي دور يبرر وجودهم، ويعطيه أهمية، ولا يملكون سوى أرخص بضاعة من الكلام ومصطلحات صارت من كثرة ترديدها لوازم لغوية تثير الشفقة أكثر من الرثاء..

وإذا شئنا الحق فإن التطرف العلماني لا يقل خطرا عن التطرف الديني، وإن التطرف باسم الرب لا يقل سوءا عن التطرف باسم الإنسان، غير أن ما نشهده الآن هو اختلال في العدالة وتحولها إلى معنى من معاني القمع والإقصاء لفرض نسق واحد في الفكر والثقافة، وإقصاء المخالف وإلغاء للتنوع وطمس للتعددية الثقافية..

وهذا هو أيضا حال جماعتنا من غلاة العلمانية من سكان مقاهي وسط البلد، لأنهم في حالة خصام مع السماء، ولديهم إيمان أن العالم يتجه نحو الإلحاد وأنه الطريق للمختبر والمعمل".

ويشخص بوست لم أعرف كاتبه للأسف الإلحاد عند هؤلاء المتعلمنين، أنه رفيق التجارب العلمية، وأنه هو الخلاص الوحيد في كواليس السياسة من التحزب، وأن الإلحاد هو الترياق والدواء الناجح في أروقة الاقتصاد من الظلم الاجتماعي والطبقية التي ترعاها الأديان!!

ويؤمن هؤلاء العاطلون -بأن الإلحاد هو "الموضة" الفكرية السائدة في أمريكا وفرنسا وألمانيا، وقد نجحوا في تصدير هذا الانطباع لشريحة من الشباب الحائر وغرورا به تحت اللافتات الكبيرة التي يرفعونها، وهم لا يكفون عن توجيه الغمز الجارح إلى الأديان.

بكلام معقد لا يفهمه سواهم في فضاء العدمية والتيه الفكري وعدم جدوى أي شيء، في أي شيء!، وعندما تجاهلهم الناس ترفعا أو اتقاء لشرهم تحولت شلة "وسط البلد إلى الشرشحة والعربدة وسلاطة اللسان وسوء الأدب، والتعدي الفج الغوغائي -دون أدنى خلق أو لياقة- على مشاعر الرأي العام وشعائره ومعتقداته، وهو عمل إجرامي تؤثمه كل الدساتير الحديثة ومواثيق حقوق الإنسان العالمية..

التي تنص على احترام شعائر الشعوب ومشاعرها حتى وإن عبدت هذه الشعوب بقرة، وبقدر التربص ومواجهة المتطرفين الإسلاميين وهو واجب ترك المجتمع هؤلاء السكارى وسكت عن شططهم وانفلات ألسنتهم بالسخرية الغوغائية من التاريخ الإسلامي تحديدًا وتمضي تجريحاتهم السمجة لتمس كل شيء وتهيل التراب على كل رمز، وتطول الجميع دون تمييز، بل تمتد إلى الذات الإلهية، في سلوك داعشي وربما بأسوء..

وهذا التطرف والغُلو والشطط لا يقتصر على الدين بل على أي فكرة أو أيدلوجية لا تتوافق مع منهجهم العدمي، وهم يعرفون أن وجودهم مرتبط بإقصاء الآخرين المختلفين عنه ومعه، وبالتالي يفرضون معتقداتهم بل وملبسهم على الآخرين، ولم يكن هذا السلوك بعيدا عن الإسلاميين الحركيين أيضا، كما فعل الأشاعرة مع خصومهم من المعتزلة وصلت لحد قتل الحلاج، وعلى النهج ذاته سارت معظم الفرق..

وللأسف صار التاريخ عند البعض نصوصا مقدسة معصومة من النقد ومن يقترب منه تطارده فتاوى التكفير والاتهامات التي تخوض في العرض، ولأن التاريخ يكتبه عادة المنتصرون فإن معظم تاريخنا كتبه بعض القتله والمستبدين، وراح سدنتهم يضيفون عليهم القداسة حتى لا يقترب من هذا التزوير أي نقد، وتلك هي مشكلة المنطقة، دواعش بلحية مقابل دواعش بالببيون.
الجريدة الرسمية