توفيق الحكيم يكتب: تخت الأسطى حميدة
في كتاب "توفيق الحكيم يتذكر" يحكى بعضا من ذكرياته التي جمعها الأديب جمال الغيطانى.
قال فيها: كانت أسرتى قد عرفت جماعة من عوالم الأفراح بمناسبة زفاف عم لى يدعى "على" عقد قرانه عندما كنت في التاسعة وكان يعمل مأمور قسم بوليس شبين الكوم.كان قد لجأ إلى أمى أن تختار له عروسا غنية حتى لو كانت قردة، وفعلا اختارت له عروس في الخمسين تملك مائة فدان من أجود الأطيان وهى نصف تركية الأصل، فاشترى العريس لى ولأخى هديتين كبيرتين عبارة عن دراجة لكل منا بثلاث عجلات وبندقية أطفال.
وأصرت العروس على أن يزفها عوالم من القاهرة،وذهبت مع عمى الأصغر إلى محال "المطيباتية "(المختصين بتوريد عوالم الأفراح) بشارع محمد على لإحضار الفرقة إلى بلدتنا، وفى يوم العرس كنت أيضا ضمن وفد إحضار العروس من بلدها إلى شبين الكوم، فركبنا عربة قطار خصوصية موجودة في مؤخرة القطار تسمى عربة الصالون جلس فيها معازيم العروس أيضا.
خرجت العروس من القطار وسط الزفة الميرى بخيولها المزوقة بالورود، بالرغم من كبر سنها وأنه لم يكن أول عرس لها، وفى المغرب وصل تخت العوالم تقودها الاسطى حميدة العوادة المطربة رئيسة العوالم، ولم تكن جميلة المنظر إلا أنها كانت تقول عن العروس "العروسة الكرب".
وأثناء زيارتنا للقاهرة في إحدى المرات دعتها أمى لزيارتنا بعد أن صارت بينهما ألفة أثناء الفرح، وفعلا جاءتنا الأسطى حميدة مع بعض من تختها ونزلت علينا ضيفة معززة مكرمة.
وتوالت زيارتها لنا، وكان صوتها يشجينى وحفظت كثيرا من أغانيها، وذات يوم عدت إلى البيت من مدرستى الابتدائية فوجدتها في البيت وهى تعزف على العود فرجوتها أن تعلمنى العزف، ولم يمض وقت قليل حتى أصبحت الأوتار تلعب بين يدى.
وشاهدتني أمى وأنا أحتضن العود حتى صرخت وانتزعت منى العود قائلة "حاتطلع مغنواتى " وجعلتنى أقسم لها بسيدى البسطامى ألا ألمس العود طوال حياتى وبررت بالقسم لكن لم يمنعنى هذا من حفظ أدوار عبده الحامولى التي كانت تحبها وخاصة دور (اتمخطرى يا زينة ) التي كان قد غناها يوم زفافها لأن الحامولى كان صديقا لجدى البسطامى.