«نهاية عصر القروض».. للمرة الأولى الحكومة تغلق باب الاستدانة من الخارج.. السندات الدولية تؤمن احتياجات العملة الصعبة.. وعوائد السياحة تقفز إلى 9 مليارات دولار.. وتحويلات المصريين بالخارج تعز
مر عامان على بداية تطبيق الحكومة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي نفذته مصر بالتعاون مع مؤسسات التمويل الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، الذي فرض شروطه على المسئولين باتباع سياسات تقشفية، كان لها آثار سلبية على المصريين، خصوصا بعد رفع الدعم عن بعض السلع الإستراتيجية.
ولأن القوي يفرض شروطه دائما في المفاوضات، استسلمت الحكومة لشروط البنك، وبدأت برنامج الإصلاح، وفي عقل مسئوليها التخلي في أقرب وقت عن الاقتراض من الخارج، ومع تحسن مؤشرات الاقتصاد والنمو الذي تحقق في مصادر الدخل بالعملة الأجنبية يسود اتجاه داخل الحكومة إلى غلق باب الاستدانة من صندوق النقد والبنك الدولي.
كل المؤشرات تؤكد أن الدولة لا تنوي مجددا تجربة الاقتراض، بعد أن استدانت 12 مليار دولار، بعد النجاح في استكمال تأمين احتياطي إستراتيجي عال، ومطمئن نسبيا بالوصول إلى 44 مليار دولار، في احتياطي النقد الأجنبي بالبنك المركزي.
أرقام كثيرة حققها الاقتصاد المصري في الفترة الأخيرة، بفعل قرارات الإصلاح، ووصول أعداد السائحين الذين زاروا مصر إلى 9 ملايين سائح، أنفقوا خلالها 9 مليارات دولار كان لها مفعول السحر في قرار الحكومة بالاعتماد على الداخل في تأمين العملة دون الحاجة إلى صندوق النقد والبنك الدولي، وما يصاحبها من سياسات واشتراطات صعبة.
وجاء تصريح الدكتور محمد معيط وزير المالية بشأن عدم وجود اتجاه لدى الحكومة للاقتراض من صندوق النقد الدولي، عقب تسلم الشريحة الأخيرة في يونيو المقبل، ليصل إجمالي القرض الذي حصلت عليه مصر 12 مليار دولار.
وبحسب مصدر حكومي مسئول هناك تنوع في عملية الاقتراض من الخارج، والمسألة لا تعتمد فقط على صندوق النقد الدولي، بل إن هناك طرقا عديدة أقل تكلفة تعتمد عليها الحكومة، منها طرح سندات دولية بالخارج، ويتم الاعتماد على أسواق جديدة كتلك التي تم طرحها بآسيا، مشيرًا إلى أن السندات الدولية فائدتها أقل عن القروض الخارجية من المؤسسات المالية، فضلًا عن آجال السداد على المدى المتوسط والبعيد، لافتًا إلى أن هناك طرقا أخرى للاقتراض من خلال طرح أدوات دين محلية أسبوعيا بشكل دوري، وتقوم بعض الصناديق الأجنبية بالاستثمار في السندات والأذون المحلية.
وأضاف المصدر أن هناك تحسنا مستمرا في مصادر النقد الأجنبي مثل السياحة، التي تحسنت بشكل كبير وإيراداتها في تزايد مستمر، فضلا عن تحسن الصادرات المصرية، بالإضافة إلى أن تحويلات المصريين بالخارج ارتفعت بنسبة كبيرة، وهو ما أدى إلى ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي، ليتخطى 44 مليار دولار أمريكي وهو رقم قياسي، مشيرًا إلى أنه لا توجد أزمة في العملة الصعبة في الوقت الراهن، وأصبحت البنوك تغطي جميع احتياجات السوق، حيث بلغت تدفقات العملة الأجنبية 111 مليار دولار أمريكي، منذ قرار تحرير سعر الصرف في الثالث من شهر نوفمبر 2016 حتى الآن، وذلك نتيجة للإصلاحات التي قامت بها الحكومة منذ عامين، وكل هذا أدى إلى تقليل الاعتماد على القروض واللجوء إلى الخارج.
من جانبه قال هاني عادل الخبير المصرفي: إن مجموعة الإصلاحات الاقتصادية التي قامت بها الحكومة في الفترة الأخيرة أدت إلى تحسن كبير في وضع المؤشرات الاقتصادية، منها ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي، فضلًا عن تحسن ميزان المدفوعات، مشيرًا إلى أن الفترة المقبلة ستشهد الاعتماد على مصادرنا الداخلية من النقد الأجنبي مع استمرار تحسنها.
وأضاف أن الاقتراض من الخارج سيتم تقليصه مع تحسن مؤشرات النقد الأجنبي، لافتًا إلى أن هناك اتجاها لدى الحكومة لعدم الاقتراض من المؤسسات المالية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ولعل الاعتماد سيكون على السندات الدولية والتي تكون فائدتها أقل، فضلًا عن أن السداد طويل الأجل.
وأوضحت مصادر حكومية أن الحكومة تعمل من خلال خطة على دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي، فيما يتعلق بالمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، لاسيما وأن حجم الاقتصاد الرسمي يبلغ 40% من حجم الاقتصاد المصري بقيمة 1.8 تريليون جنيه، في ظل تقديرات البنك المركزي بارتفاع عوائد الاقتصاد غير الرسمي إلى 2 تريليون جنيه.
وأضافت المصادر أن الدولة تستهدف 9 ملايين سائح تدر عوائد تقدر قيمتها بـ9 مليارات دولار وفقا لما أكده كامل أبو علي رئيس جمعية مستثمري السياحة بالبحر الأحمر، والعودة إلى مؤشرات 2010 قبل ثورة 25 يناير وما صاحبها من اضطرابات أمنية أثرت على هذه المعدلات، كما تسعى الدولة ممثلة في وزارة السياحة إلى استهداف 14 مليون سائح في 2019، مشيرة إلى أن وزارة السياحة بدأت خطة داخلية لإعادة تأهيل الفنادق من خلال إنشاء صندوق الملكية الخاصة لمساعدة الفنادق المتعثرة دون وجود أعباء مالية على الموازنة العامة للدولة، مما ينعكس تدريجيا على معدلات الإنفاق.
من ناحية أخرى، أكدت المصادر أن الحكومة ستستمر في برنامج الطروحات الخاص ببعض شركات قطاع الأعمال في البورصة، لاسيما فيما يتعلق بشركات البترول والحديد والصلب، بدلا من عملية التطوير التي ربما تكلف الحكومة أموالا طائلة دون تحقيق عوائد مرضية، وأوضحت المصادر أن حكومة مدبولي تخطط من خلال عمليات طرح الشركات في البورصة لجمع ما بين 15 و18 مليار جنيه – قرابة المليار دولار- بما يجعل فكرة طلب قروض ضخمة من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي غير ضروري.
مؤكدة أن الاعتماد على السندات والصناديق العربية والبنوك المصرية في تأمين العجز في الموازنة العامة للدولة، يبدو أمرا منطقيا وليس هناك حاجة ماسة إلى الاقتراض من المؤسسات التمويلية الكبري، وتحدثت المصادر عن زيادة متحصلات رسوم المرور بقناة السويس بمعدل 15.4% لتسجل نحو 5.7 مليارات دولار، مقابل نحو 4.9 مليارات دولار وتحويلات المصريين العاملين بالخارج التي ارتفعت بنسبة 21% لتسجل نحو 26.4 مليار دولار، مشيرة إلى أن كلها مؤشرات توضح أن الاقتصاد المصري في مرحلة جيدة الآن، وتعافي بعد فترة كساد عالجتها الحكومة بالقرارات الاقتصادية الصعبة، وساهم في ذلك قرار تحرير سعر الصرف، وتحريك أسعار المواد البترولية وترشيد الدعم الموجه من الحكومة للمواطنين ليذهب إلى من يستحق.
وأشارت المصادر إلى تحسن تصنيف مصر المالي، ووضعها بفضل استثمارات الأجانب بمحفظة الأوراق المالية في مصر التي حققت صافى تدفق للداخل بلغ نحو 12.1 مليار دولار، وذلك على الرغم مما تشهده الأسواق الناشئة من تخارج المستثمرين الأجانب، وتضاعف الفائض في ميزان الخدمات بمعدل 98.1% ليسجل نحو 11.1 مليار دولار، مقابل نحو 5.6 مليارات دولار، وارتفاع حصيلة الصادرات السلعية بمعدل 18.9% لتصل إلى نحو 25.8 مليار دولار، مقابل نحو 21.7 مليار دولار، انعكاسًا لتحسين درجة التنافسية للصادرات المصرية في الأسواق العالمية عقب قرار تحرير سعر الصرف.
"نقلا عن العدد الورقي..."