رئيس التحرير
عصام كامل

«عم صابر».. نصف قرن في محبة «الأراجوز»

فيتو

«للناس في الحب مذاهب ولكل حب مذهبه».. رفيقان.. بل حبيبان تعاهدا على استكمال مشوار الحياة معا الأول نطق بلسان الثاني، والثاني رسم مستقبل الأول.. خمسون عاما عاشا سويا على الحلوة وعلى المرة.. هي حكاية مصطفى عثمان الشهير بـ«عم صابر» المصري، شيخ لاعبي الأراجوز.


70 عاما.. عمر «عم صابر»، قضى منها 50 ربيعًا رفقة الأراجوز، حيث بدأت قصته معه عندما تسلق إحدى الأشجار ليشاهد عرض الأراجوز الذي كان يقدمه الفنان الراحل محمود شكوكو في ملهى الكيت كات، ليسقط عاشقًا بين شباك الأراجوز بعدما انبهر بالعرض الساخر، ليقرر بـ«نقاء الطفل» أن يكون أحد أصدقائه.

وعن الرحلة قال «عم صابر»: «10 سنوات تنقلت فيهم بين موالد مصر من «السيد البدوي» لـ«الحسين»، كي أتعلم هذا الفن على يد كبار لاعبي الأراجوز، وكنت أجالس فناني شارع محمد علي حتى أتممت احترافي بلعب تلك «العروسة الشعبية» وذاع صيتي ضمن أشهر لاعبيها في مصر آنذاك، من أمثال نعمة الله العجمي ومصطفى الأسمر وأحمد زوربة وغيرهم.

الإيمان بـ«موهبة عم صابر» دفع أحد أصدقائه الموسيقيين لإيجاد فرصة له لمقابلة الفنان محمود شكوكو الأستاذ الكبير في فن الأراجوز، وعن ذكرياته عن اللقاء هذا، قال: «في أحد الأيام ذهبت إلى مقهى التجارة بشارع محمد علي، فأخذني صديقي وقال عندي مفاجأة، فوجدت محمود شكوكو يجلس داخل المقهى، وقدمني له صديقي قائلا: إحنا جبنالك أراجوز تاني، فاستقبلني شكوكو بابتسامته المعهودة وسألني «أنت بتشتغل أراجوز» وقلت له: «آه وأقدم عروضي في الموالد».

وأكمل، بنبرة لم تخلو من سعادة اللحظة التاريخية تلك، قائلًا: «قال شكوكو: طالما جئت لشارع محمد علي لازم تحافظ على شكل نمرتك وألفاظك التي تستخدمها في العرض، وطلب مني أن أُسمعه شيئا مما أقدمه، وكان الخجل يعتريني فهو الأستاذ الكبير، فاستشعر خوفي وخجلي فقال لي: يا عم سمعني إحنا كلنا أراجوزات»، وهنا سحبت «الأمانة» ووضعتها داخل فمي وغنيت له أحب أغانيه التي كان يغنيها للتورماي «على سلم التورماي شعبطني يا بوي.. على سلم التورماي.. لا الطالع عارف يطلع ولا النازل عارف ينزل.. يا أبوي يا أبوي.. على سلم التورماي» فضحك وقال لي أنت أراجوز.

وتابع: كان للفنان شكوكو الفضل في انطلاقي للعمل بعيدا عن الموالد، فعرفني بمكاتب المتعهدين للحفلات، وكانت بداية انطلاقتي للعمل في الحفلات والفنادق وأعياد الميلاد والنوادي".

وبمرور الأيام خطوات كثيرة عم صابر وأراجوزه خطاها، بعدما اتصل به الدكتور نبيل بهجت أستاذ المسرح بجامعة حلوان، وقال: «منذ نحو 18 سنة اتصل بي الدكتور نبيل بهجت مؤسس فرقة (ومضة) لفنون خيال الظل والأراجوز، وطلب مقابلتي، وجلسنا في مقهى التجارة، حيث قال لي: (إحنا عايزين نعيش مع الأراجوز لأنه هينقرض" وعندما سألته كيف ذلك؟.. فقال لي أنا بجهز فرقة للأراجوز وخيال الظل، فوافقت على الانضمام مع أعضاء الفريق وبدأنا العمل، مضيفا قدمنا عروضا في 22 دولة عربية وأوروبية ومنهم فرنسا وإيطاليا وأمريكا وتونس والإمارات والبحرين حيث اشتهر الأراجوز هناك، وأصبح لنا صدى كبير.

وعن موقفه من قرار منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» بإدراج «الأراجوز» على قائمة الصون العاجل للتراث غير المادي، هو تكليلا وانتصارا بما آمنوا به طوال 18 عاما من العمل المكثف والسعي وراء توثيقه، وتعليمه للنشء من خلال ورش الأطفال ببيت السحيمي.

وأكد «عم صابر» أنه لم تختلف حكايات ونمر الأراجوز عن سابق عهدها، إنما الحكايات فقط هي من اختلفت وتطورت مع الزمن ، فالحكايات في الموالد كانت أغلبها ارتجالية تعتمد على التواصل مع الجمهور المتفرج سواء من خلال الأغاني أو الحكايات الشعبية التي يحفظها الكثيرون عن ظهر قلب ، أما الآن فحكايات الأراجوز تناقش بعضا من المشكلات الاجتماعية وتوجه رسائل تعليمية غير للجمهور خاصة الأطفال، حيث تغرس فيهم القيم والأخلاق الحميدة.

وأكمل: «في كل الظروف حكايات الأراجوز تعتمد على الذكاء الفطري في التعامل ، فالأراجوز يكون حريصا على ألفاظه، فلا يروي حكايات ممله أو خادشة للحياء، بل يرسخ فكرة تعليمية، حتى لا ينصرف الجمهور عنه».

وأما بالنسبة لـ «الأمانة –زمارة الأراجوز-» أكد أنها صوت الحق للأراجوز وما يشاع عنها غير صحيح، فهي لا تسبب أي أمراض للإنسان ولا تضر بالأحبال الصوتية، ومن أشاع ذلك الذين لا يرغبون في انتشار فن الأراجوز وتعليمه، ونسعى الآن لتخريج أجيال جديدة تحب تلك العروسة وتتعلم فنونها، مشيرا إلى أن أهم ملكه بالنسبة للأراجوز أن يعرف مبادئ علم النغم، وأن يكون مقتنعا بأن الأراجوز ليس وسيلة للتسلية فقط إنما أداة للتعلم هدفها غرس القيم الأخلاقية للأجيال الناشئة.

«الأراجوز» بالنسبة لـ«عم صابر» ليس دمية أو مهنة يؤديها، بل قصة العمر كله، فلا يستطيع أن يعتزله، فيقول «عمري 70 سنة الآن ومقدرش أبطل لعب أراجوز لأني بحبه، ولو الناس ما تقولش الراجل ده حصله حاجة في عقله كنت أخدته في حضني كل يوم ونيمته جنبي».
الجريدة الرسمية