ضجيج «التريند»
أيام قليلة وأتم عامي التاسع والعشرين، وإذا كنت قد تعلمت أمرًا واحدًا خلال سنوات من العمل في إدارة وسائل التواصل الاجتماعي وتقديم التدريبات حول استخدامها، فهو أن بعض الشخصيات الافتراضية تعتبر "الغباء" من ممتلكاتها الخاصة فلا تحاول أن تجادلهم حتى لا يظن أحد أنك تتنازع معهم على الملكية..
لذلك عندما أشاهد أحدهم وقد اجتهد في القيام بفعل خارج عن المألوف أو مثير للجدل لجذب اهتمام جمهور وسائل التواصل الاجتماعي فإنني أجد أن محاولاته لكي يُصبح "تريند" على حساب قيمة ما يقدمه، هي محاولات تستحق الشفقة أكثر من إضاعة الكثير من الوقت في التعليق عليها أو تحليلها.. فليس كل ضجيج يستحق الاستفسار عن مصدره.
ورغم ذلك، فقد أصبحنا في حاجة إلى لحظة صدق مع أنفسنا.. نُجيب أنفسنا على استفسارات واجبة: لماذا نشارك في صناعة هذا الضجيج، ولماذا نتجادل ونختلف حوله حتى يصبح محورا لاهتماماتنا؟
الكثير من الجدل حول فستان أحد الفنانات في مهرجان فني.. وآخر غير معروف يتداول الناس فيديوهاته التي يغني في أحدها بصوت "بشع" وهو يستحمى! ورغم غرابة الموضوع وسخرية الجمهور منه إلا أن فيديوهاته تحظت عشرات الآلاف من المشاهدات، وبات يذكرنا بثالث كان يتفاخر بثقل ظله.. ويتعامل معه الجمهور بصفته رمزا لثقل الظل.. بينما يُعرف نفسه بأنه أصل الضحكة في مصر!
جميعهم يعلمون أن أفعالهم الشاذة سوف تثير ضجة وسوف يتابعها الآلاف، ويعلمون مسبقًا أن الرأي السلبي للجمهور سوف يكون الغالب تجاه أفعالهم.. لكنهم لا يتوقفون عن إحداث الضجة رغم التعليقات السلبية التي يحصلون عليها لأن رغبتهم الوحيدة هي إحداث الضجيج.. أي ضجيج..
التحول إلى "تريند" حتى إذا كان على حساب قيمة ما يقدمونه.. وإذا كان عدم الرضا هو الخطوة الأولى في التقدم.. فإن علينا كمستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي أن نُعيد حساباتنا في التعامل معهم وأن نتوقف عن إعادة نشر أعمالهم أو مشاهدة فيديوهاتهم التي نسخر منها لكنها في الحقيقة تسخر من عقولنا عندما نضعها في صدارة الاهتمامات.. فليس كل ضجيج يستحق أن نلتفت له.