رئيس التحرير
عصام كامل

مصري ابن مصري.. «الأراجوز» سلاح الغلابة في مواجهة «قراقوش»

فيتو

«الأراجوز.. الأراجوز.. والبنت اللى اسمها كشكليوز، يا حلاوتهم، يا شقاوتهم.. أدى حكايتهم هما الجوز.. الله الله.. الحيا والخشى جرى فيهم آه؟ واقفة بتترقصي للأراجوز.. طب ما بتترقصيليش أنا ليه!... أما أنت صحيح راجل حيوان... بالقوة ها أرقصله وأحب اللي في بالي ده ما اتخلقش اللي قدر يغلب مرا» جاء اسكتش «الأراجوز» للراحل العبقري الشاعر صلاح جاهين والملحن المبدع سيد مكاوي في فيلم الزوجة الثانية، ليصف الواقع الاجتماعي والسياسي المصري خلال فترة الستينيات.

«الأراجوز».. الدمية التي تحولت إلى ما يمكن وصفه بالقائد الشجاع والمتنفس الذكي، الذي يستتر خلفه الوجدان الشعبي في السخرية والانتقام أحيانا من الظلم والقهر لمواجهة ومعالجة أوضاعه الاجتماعية والسياسية، مما جعلها أحد أهم وسائل المقاومة الشعبية إلى جانب نقل المعرفة والأخبار.

«الأراجوز».. فن مصري
يوجد فن الأراجوز في الحياة المصرية منذ زمن بعيد، فقد عرف القدماء المصريون الأراجوز تحت مسمى «إرجوس» التي تعني «يصنع كلاما معينا»، كما عرفوا الدمى بشكل عام التي تداخلت في أشكال الحياة لديهم كاستخدامها في الطقوس السحرية والدينية، حيث عثر على العديد من الأشكال لدمى لعب الأطفال مصنوعة من خامات مختلفة ( جلد-خشب- طين- حجر- ألياف- عاج- عظام) في عدد من المقابر، بالإضافة إلى معرفتهم للدمى ذات الخيوط المثبتة من أطرافها لسهولة حركتها.
وبتطور الزمن.. انتشرت دمى الطين المحروق في العصر القبطي، وشهد هذا الفن اهتماما ملحوظا بداية العصر الإسلامي خصوصا في الحقبة الفاطمية، نظرا لاهتمام الساسة والقيادات السياسية بعروضه، فكان فن «خيال الظل» من ملاهي القصر بمصر الفاطمية وكان للسلاطين ولع به، حتى حملة السلطان شعبان معه في رحلته للحج سنة 778هـ، وبجانب هذا النوع من الدمى، عرفت مصر في العصر الفاطمي دمى الحلوى والورق.
واعتبر«الأراجوز» من أشهر الدمى الشعبية في مصر آنذاك، وذكر الرحالة التركي أولياجيلي في كتابه «سياحتنامة مصر» إلى أحد الفنانين في القرن الـ10 الهجري الذين يلاطفون المرضى بدمى خشبية فتتحسن حالتهم.

«الأراجوز» المصري و«خيال الظل» التركي
امتد الخلط بين عدد من الباحثين بين «الأراجوز» المصري - عروسة قفاز-، و«القرقوز» التركي – خيال ظل-، فأشار سعد الخادم في كتابه «الدمى المتحركة عند العرب» إلى أن ألاعيب الأراجوز الشعبية تشبه إلى حد بعيد فصول أراجوز خيال الظل العثماني، حيث يتضارب ويتطاعن «حاجفاجي وقارجوز» بالعصي وتشتبك الدمى أحيانا بما يشبه فن التحطيب مستخدمه قوافي ومواقف طريفة تعلق بصورة هزلية على الأحداث الجارية في الدولة.
ويؤكد الكاتب ج.و. مكفرسون في كتابه «الموالد في مصر» على صحة ذلك، موضحا أن عروض الأراجوز بالموالد كانت برسم دخول العرض بـ«نكلة» حيث كان يقدم معه عروض خيال الظل وحيل السحرة وأكل النار وبعض ألعاب جذب الانتباه، مؤكدا أن«الأراجوز» كان من أكثر تلك الفنون جذبا لانتباه المشاهدين.
أيضا ذهب بعض الباحثين إلى أن كلمة «أراجوز» هي تحريف لكلمة «قراقوش» حيث يقول مصطفى عثمان مصطفى، شيخ فناني الأراجوز في مصر الآن والشهير بـ«صابر المصري»، في حواره على لسان الأراجوز «أنا الأراجوز ابن الملك قراقوش» في إشارة إلى العلاقة بين هذا الفن وشخصية بهاء الدين قراقوش وزير صلاح الدين الأيوبي، الذي أصبح مضربًا المثل في الظلم والغباء، فبعد انتهاء عصره أخذ المصريون يتندرون به ويسخرون من مظالمه، وسموا «فن الأراجوز» باسمه انتقاما منه.
 

«الأراجوز».. شخصية ونمرة ولاعب
تتميز شخصية دمى الأراجوز- خشبية أو بلاستيكية- الصنع، بسمات الوسامة والذكاء وسعة الحيلة، ويظهر ذلك من خلال ملامح الدمية نفسها وزيها المميز من طرطور وجلباب أحمر مطرز أحدهما بوشاح أصفر، وتمتلك صوتا مميزا عن باقي الشخصيات الأخرى، حيث يستخدم اللاعب الفنان آلة تسمى «الأمانة» من «الأستانلس»، وتمثل لأصحاب المهنة «صوت الحق»، الذي يعكس الوضع السياسي والاجتماعي للبلد، توضع «الأمانة» فوق لسان اللاعب تحديدا في منتصف الحلق ليخرج منها الصوت الذي يبهر الجميع.

ومن أبرز الشخصيات المشهورة التي لعبت دورًا مؤثرا مع الأراجوز، الفتوة، والخواجة، وموشي ديان، والشاويش، وعثمان، وزوجته نفوسة، وزوجته السمراء بخيتة، ولاعب الأراجوز قادر على تغيير صوته ليجسد كل الشخصيات الموجودة في الرواية، ومن أهم الإكسسوارات التي يستخدمها في هذه العروض العصا الطويلة والزمارة والبطانية.

ومن أشهر نمر الأراجوز، «الأراجوز ومراته»، «زواج بالنبوت»، «الفتوة الغلباوي»، «حرب بورسعيد»، «حرب اليهود»، «كلب السرايا»، «الحانوتي النصاب» و«أراجوز في الجيش».
 
أما بالنسبة للاعب الفنان، فيتصف بسرعة البديهة والقدرة على الارتجال، والقدرة على التحكم في اللهجات المختلفة وتلوين نبرات الصوت المختلفة والانتقال من شخصية إلى أخرى في آن واحد، خالقا جوا من المتعة وجذب الانتباه المتواصل من جانب الجمهور.

ومن أشهر لاعبي الأراجوز المصريين، صلاح المصري، صابر شيكو، سيد الأسمر، سمير عبد العظيم، محمد كريمة، وشيخ لاعبي الأراجوز مصطفى عثمان مصطفى الشهير بـعم صابر المصري.

الجريدة الرسمية