رئيس التحرير
عصام كامل

خرافة القصد النبيل والصياغة الرديئة!


انتفض المجتمع السياسى المصرى بجميع فئاته واتجاهاته وتياراته ضد الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس "محمد مرسى"، والذى نصب فيه نفسه حاكماً بأمره فى شئون البلاد والعباد، بحيث أصبحت قراراته محصنة ولا يمكن الطعن عليها بأى طريقة من طرق الطعن أمام المحاكم.

وينطبق هذا النص الفريد على قرارات الرئيس "مرسى" الديكتاتور الجديد فى الماضى والحاضر والمستقبل!

وأعترف أن هذا تجديد فى مجال التشريع غير مسبوق.

كان يمكن للقانونى العبقرى الذى صاغ هذا النص أن يكتفى بتحصين قرارات الرئيس "مرسى" فى الحاضر، ولكن أن يمتد التحصين المزعوم إلى الماضى والمستقبل أيضاً فأمر يثير العجب!

وقد أجمع فقهاء القانون- بالإضافة إلى القضاة والمحامين-على أن هذا الإعلان الدستورى يعد أخطر تغول على السلطة القضائية فى تاريخ مصر المعاصر! فلم يحدث إطلاقاً فى أشد العهود تضييقاً للحريات، أن صدر مثل هذا الإعلان، الذى يلغى بجرة قلم الاختصاصات الأصيلة للقضاء فى مجال الرقابة على القرارات الدستورية والقرارات الإدارية التى تصدرها السلطة التنفيذية.

ومن عجائب هذا الإعلان الدستورى المشوه أنه نص فى إحدى مواده على منع المحاكم من الاستمرار فى نظر الطعون المعروضة أمامها، والمتعلقة بالمؤسسات السياسية لمجلسى الشعب والشورى واللجنة التأسيسية لوضع الدستور.

وإذا قرأنا باقى مواد الإعلان لاكتشفنا أن رئيس الجمهورية أراد أن ينتقم من المستشار الدكتور "عبدالمجيد محمود" النائب العام بصورة مبتكرة، إذ إنه غيَّر من شروط تعيين النائب العام وجعل مدته أربع سنوات فقط، مع النص الخبيث على أن هذا يطبق فوراً، ومعنى ذلك إقالة النائب العام الحالى!

وهذا النص معناه أن رئيس الجمهورية بناء على نصيحة فاسدة من بعض المستشارين القانونيين قد اعتدى عامداً متعمداً على قانون السلطة القضائية الذى يحصن منصب النائب العام ولا يسمح للسلطة التنفيذية أن تعزله.

وهناك أيضاً النصوص الخاصة بتحصين مجلس الشورى الباطل واللجنة التأسيسية المعيبة، التى تضع الدستور وتريد تقديمه إلى الرئيس هذا الأسبوع بعد أن انسحب من عضويتها عشرات الأعضاء مما يفقدها شرعيتها.

وتظن جماعة الإخوان المسلمين وهماً أنها بتقديم مشروع الدستور إلى الرئيس، فإن ذلك سيتيح له أن يأمر بإجراء استفتاء عليه! ومعنى ذلك أن هذه الجماعة وقادتها يتمتعون بغباء سياسى نادر!

فهذه الوثيقة التى أطلقوا عليها "الدستور" ليس عليها إجماع وهى فاقدة الشرعية كوثيقة دستورية، وبالتالى فإن أى استفتاء عليها سيكون باطلاً.

ذلك أن هذا الاستفتاء ستقاطعه جموع الشعب قاطبة وفى مقدمتهم القادة السياسيون وممثلو مؤسسات المجتمع المدنى والمثقفون والفنانون وطوائف الشعب جميعاً، لأن معنى ذلك أن جماعة الإخوان المسلمين تريد أن تؤسس حكماً ديكتاتورياً مطلقاً وإن كانت تريد الاختباء وراء واجهة ديمقراطية مزيفة!

وإذا أردنا أن نتحدث عن كيفية صدور الإعلان الدستورى فسرعان ما نكتشف أن الرئيس "مرسى" لم يستشر هيئته الاستشارية إطلاقاً قبل إصداره، بل إن وزير العدل نفسه المستشار السابق "أحمد مكى"، الذى شكل لجنة تشريعية لصياغة القوانين التى يريد الرئيس إصدارها يبدو- بحسب تصريحاته المعلنة- أنه لم يطلع على الإعلان قبل إصداره!

وقصة الأخوين "مكى" غريبة بالفعل! ونعنى المستشار "أحمد مكى" نائب الرئيس، والمستشار "محمود مكى" وزير العدل.

فكلاهما كانافى عهد مبارك- ينتميان إلى تيار استقلال القضاء، الذى أثبت أعضاؤه شجاعة أدبية نادرة حين نزلوا الشوارع محتجين ضد تزوير الانتخابات.

والمستشار "محمود مكى" على وجه الخصوص من شيوخ قضاة محكمة النقض، ويتمتع بخبرة قانونية متميزة وله مواقف مشرفة، ولكن موقفه المتخاذل من الإعلان الدستورى والذى كان يتعين عليه أن يعلن رفضه له بالكامل باعتباره من زعماء حركة استقلال القضاء، يثير عديداً من التساؤلات حول تشبثه بمنصب الوزير على حساب الحق!

وقد استمعت شخصياً له فى حوار تليفزيونى مع أحد مقدمى البرامج الذى أحرجه بأسئلته عن موقفه من الإعلان الدستورى الباطل إحراجاً شديداً، فقال وهو فى قمة الارتباك: "الواقع أن قصد الرئيس نبيل، ولكن صياغة الإعلان رديئة".

وهكذا فصل السيد وزير العدل بين المضمون الفاسد لمواد الإعلان وصياغتها التشريعية، فأدان الصياغة ولم يدن المضمون!

غريب أن يتخذ هذا الموقف أحد شيوخ القضاة الذى دافع من قبل بجسارة عن استقلال القضاء، وإذا به اليوم يخترع نظرية معيبة تفرق بين القصد النبيل والصياغة الرديئة!

يا سيادة وزير العدل، القصد معيب لأنه يؤسس لديكتاتورية رئيس الجمهورية، والصياغة ليست رديئة، بل هى صياغة ممتازة لأنها لم تخف نيات مصدر الإعلان فى أن يكون الحاكم بأمر الله!

 

الجريدة الرسمية