منتصر عمران يكتب: الرئيس والإمام والتحذير من ضياع الدين (2 – 2)
كشفنا في المقال السابق محاولات إعلام الإخوان لإظهار تعقيب الرئيس السيسي على شيخ الأزهر في الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف على أن ثَمَّ خلافًا بينهما.
كما أوضحنا مؤامرة الفئة الضالة المسماة بـ "القرآنيين"، على مدار تاريخ طويل.. ونستكمل استعراض تاريخهم.
فأول ما ظهرت هذه الدعوة في عصرنا الحديث في الهند منذ نهاية القرن التاسع عشر، وشاركت فيها شخصيات شهيرة هناك منهم انتهى به الأمر إلى ادعاء النبوة، وهذا يؤكد أن دعوة خبيثة مرادها هدم الدين وليس الحكم بالقرآن كما يزعمون.. ولو أن هدفهم الدين ما ادعى صاحبها النبوة !
بل كان الأمر الادهى والأمرّ ولاء أصحاب هذه الدعوة الخبيثة للاستعمار، ومنهم من ذهب إلى إنكار الأحاديث النبوية ما كان منها متواترا، وما كان غير متواتر، وزعم أن السنة ليست لها أية قيمة تشريعية في الإسلام وأن القرآن وحده هو مصدر التشريع ولا مصدر سواه، ضاربًا عرض الحائط بما أجمع عليه المسلمون من ضرورة بقاء السنة إلى جوار القرآن جنبًا إلى جنب، وإلا ضاع ثلاثة أرباع الدين ولأن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قال: "أوتيت القرآن ومثله معه".
وحتى يتبين لنا سوء سريرتهم نضرب لهم مثلا، فأقول إن الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين وهو الصلاة؛ فمن المعلوم أن الصلاة ثابتة بالقرآن الكريم لكن لا توجد آية واحدة في طول القرآن وعرضه يتبين منها المسلم كيفية الصلوات الخمس ولا عدد ركعاتها وسجداتها ولا هيئاتها من أول تكبيرة الإحرام إلى التسليم من التشهد الأخير.
وأن هذه التفاصيل لا يمكن تبينها ومعرفتها إلا من السنة النبوية التي هي المصدر الثاني من مصادر التشريع في الإسلام. وحين طولب هذا المنكر لحجية السنة بإقامة الدليل على هيئات الصلاة من القرآن فقط حتى يتبعه المسلمون قال، وهو غارق إلى أذنيه في قياس الإحراج: «إن القرآن لم يأمرنا إلا بإقامة الصلاة، أما كيفية أداء الصلاة فأمر متروك لرئيس الدولة ويحدده بمشورة مستشاريه حسب الزمان والمكان"، وهذا محض افتراء وتدليس وهدم لركن من أعظم أركان الدين.
وفي هذا الاتجاه سار هؤلاء المقربون من أجهزة الاستعمار فأنكروا آيات الجهاد وأفتوا بحرمة التصدي للمستعمرين، وأنكروا كل ما تنكره الثقافة الغربية، ولو كان دينا وأثبتوا ما تثبته حتى لو جاء صادمًا للإسلام وإجماع المسلمين.
وانتقلت هذه الفتنة للأسف إلى مصر وتعصب لها طبيب بسجن طرة نشـر مقالتين في مجلة المنار عام 1906، 1907م بعنوان: «الإسلام هو القرآن وحده» ولقيت الفكرة دعما من بعض الكتاب المتربصين بالسنة النبوية، والمنكرين ثبوتها.
وهؤلاء على اختلاف مشاربهم وأذواقهم يجمع بينهم الشك والريبة في رواة الأحاديث والإغضاء عن جهود علمية جبارة مضنية أفنى فيها علماء الأمة وجهابذتها أعمارا كاملة أراقوا فيها ماء أعينهم من أجل هدف أوحد، هو تمييز الصحيح من غير الصحيح من مرويات السـنة وذلك من خـــلال بحث دقيـــق - متفرد - عجيب في تاريخ الرواة وسيرهم العلمية والخلقيـة، حتى نشأ بين أيديهم من دقة التعقب والتقصي والتتبع علم مستقل من العلوم يعرف عند العلماء بعلم «الإسناد» أو «علم الرجال».
وهو علم لا نظير له عند غير المسلمين لا قديما ولا حديثا، وقد شهد بذلك الأفذاذ من علماء أوروبا ممن توفروا على دراسة السنة النبوية حتى قال المستشرق الألماني ألويس شبرنجر: «إن الدنيا كلها لم تر ولن ترى أمة مثل المسلمين- فقد درس بفضل علم الرجال الذي صمموه حياة نصف مليون رجل»، وحتى قال المستشرق الإنجليزي الكبير مارجليوت في إحدى محاضراته عن هذا العلم.. ورغم أن «نظرية الإسناد» (عند علماء الحديث) قد سببت كثيرا من المتاعب نظرا لما يتطلبه البحث في توثيق كل راوٍ من رواة الأحاديث إلا أن قيمة نظرية «الإسناد» فيما يتعلق بدقة الحديث النبوي لا يمكن الشك فيها، ومن حق المسلمين أن يفتخروا بعلم الحديث من علومهم».. والحق ما شهدت به الأعداء.