أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية تشتعل من جديد
مرت ستة شهور تقريبًا على تكليف "سعد الحريري" رئيس تيار المستقبل بتشكيل حكومة جديدة للبنان، ومنذ ذلك الوقت تعيش لبنان بدون حكومة لأن الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة لم يستطع تشكيلها حتى الآن. إدارة "الحريري" لملف تشكيل الحكومة اللبنانية تشير إلى أن السنوات التي قضاها في العمل السياسي ليست كافية لإكسابه خبرة إدارة ملف تشكيل الحكومة..
فهو يبدو عاجزا في كل مرة يتم تكليفه بتشكيل الحكومة. نتائج الانتخابات البرلمانية اللبنانية لم تكن في صالح تكتل تيار المستقبل الذي يرأسه "الحريري" حيث خسر في الانتخابات التي جرت في مايو 2018 أكثر من ثلث المقاعد البرلمانية التي كانت في حصته. فقبل الانتخابات البرلمانية كان عدد نواب تيار المستقبل 33 نائبًا، لكن رئيس تيار المستقبل المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية استفاق على خسارة 12 نائبا ليحصد فقد 21 مقعدا.
المقاعد التي خسرها "الحريري" ذهبت إلى 10 نواب من السنة المستقلين، الذين أعلنوا تأييدهم لتسمية "سعد الحريري" رئيسًا للوزراء ورغم ذلك تجاهلهم، حيث كان النواب يطمعون في أن يتم اختيار من يمثلهم في الحكومة. البعض قد يرى أن عدد النواب لا يسمح لهم بتشكيل كتلة برلمانية يتم تمثيلها في الحكومة.
قد يكون ذلك صحيحًا إذا كان عدد أعضاء مجلس النواب كبير، ولكن إذا كان عدد أعضاء مجلس النواب اللبناني 128 نائبًا، فإن النواب المستقلين من السنة يمثلون تقريبا 9% من مجلس النواب أو أقل من ذلك بقليل. عدد وزراء حكومة لبنان في عام 2016 والتي شكلها "الحريري" كان 30 وزيرًا، وبحسبة عدد النواب بالنسبة للوزراء، فإن النواب المستقلين من السنة يجب تمثيلهم بوزيرين.
المشكلة التي وضع "الحريري" فيها نفسه أنه بدلا من أن يسارع بتكوين تحالف مع السنة المستقلين أو يعمل جاهدا على تحييدهم باعتبارهم من المعارضة، تجاهلهم وكأنهم كالذباب الذي يهشه بيده. وسارع باتهام حزب الله بتعطيل الحكومة على أساس أن حزب الله تلقف النواب السنة المستقلين وأصبح يطالب بتوزيرهم في الحكومة.
"سعد الحريري" يرى أنه إذا كان من المهم أن يكون هناك تمثيل للسنة المستقلين في الحكومة فإن ذلك يجب ألا يكون من حصته من الوزراء. فالحكومة السابقة التي كان يرأسها كانت تضم 6 وزراء من تيار المستقبل بالإضافة إليه كرئيس للحكومة. والمشكلة التي يضخمها "الحريري" تبدو بسيطة حسابيًا، فهو لا يستطيع أن يأخذ مقاعد السنة الستة لحسابه، لأن عدد نوابه قل بنسبة الثلث، وإصراره على أنه إذا أصر السنة المستقلين أن يكون لهم تمثيل في الحكومة، فإن ذلك يجب أن يكون من كتلة المعارضة تعني أن أنه لم يعد فقط يحتاج لدروس في السياسة ولكن لدروس في الحساب أيضًا.
فالنواب المستقلون من السنة وبالتالي يجب أن يتم تمثيلهم من عدد الوزراء الخاص بالسنة وعلى "الحريري" ألا يعمل "إذن من طين وإذن من عجين" وكأن المستقلين من السنة من ضمن كتلته.
المشكلة التي تواجه رئيس أية حكومة في لبنان هو أن تشكيل الحكومة لا يخضع للنسبية المطلقة ولكن للاتفاق بين القوى السياسية. فمن بين القضايا محل الخلاف هو وجود وزراء لرئيس الجمهورية، فرئيس الجمهورية "ميشال عون" يتمسك بثلاثة وزراء له في الحكومة الجديدة، لكن لا يوجد في الدستور أو في اللائحة الخاص بمجلس الوزراء ما يقول إن لرئيس الجمهورية عددا من الوزراء في الحكومة.
المصادر الصحفية تقول إن "سعد الحريري" يرفض حتى لقاء النواب السنة المستقلين لأنه يرى أن الموضوع أكبر من ذلك، وبغض النظر عن رؤية "الحريري" نفسه، فإن عليه أن يعي أن الانتخابات البرلمانية التي كانت لأول مرة تخضع النسبية "غير المطلقة" جعلته يخسر12 نائبًا دفعة واحدة، وأنه لن يستطيع من خلال الحكومة تعويض ما خسره في الانتخابات البرلمانية، وأنه عليه أن يأخذ دروسًا في السياسة وفي الحساب أيضًا.
يظن البعض ومن بينهم "سعد الحريري" نفسه، أنه كلما تأخر في تشكيل الحكومة فإن ذلك يعني أنه لن يشكل إلا حكومة يرضى عنها وأنه لن يقبل بمن يفرض عليه عدد وزراء كل كتلة، قد يبدو ذلك صحيحًا لكن المشكلة التي لا يبصرها، أنه كلما تأخر في تشكيل الحكومة كلما كان ذلك دليلاعلى عجزه السياسي لأن مهمته "تشكيل الحكومة" وليس الجلوس في مقاعد المتفرجين.