رئيس التحرير
عصام كامل

إنها حقا.. أم المعارك!


ليست هذه هي المرة الأولى التي يناشد فيها الرئيس السيسي علماء المسلمين، وفي مقدمتهم فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر.. ووزير الأوقاف بأن يواصلوا السعي نحو تجديد الخطاب الديني، بحيث يتوافق مع تعاليم الإسلام ويراعي قضايا العصر.


منذ ثلاثة أعوام جاءت إشارة الرئيس في الاحتفالية التي تنظمها سنويا وزارة الأوقاف، بمناسبة ذكرى المولد النبوي إلى ضرورة تجديد الخطاب الديني، وأنها قضية يجب أن تحتل أولوية خاصة من اهتمام المؤسسات الدينية وأجهزة الوزارة المسئولة عن الدعوة.

وأعاد الرئيس الدعوة إلى التجديد في العام التالي وفي نفس المناسبة، وفي وجود فضيلة الإمام الأكبر ووزير الأوقاف ومئات الدعاة، وأشار الرئيس إلى أن القضية لا تحتمل التأجيل.. وأن على المؤسسات المعنية أن تبادر باتخاذ خطوات جادة تخلص التراث الإسلامي من المفاهيم الخاطئة التي تتعارض مع صحيح الدين.

ولا بد أن الرئيس انتظر أن تجد دعواه استجابة من العلماء، بعد أن أسهب في أكثر من مناسبة بأن قضية التجديد محورية، لنستعيد المفاهيم الحقيقية للإسلام دين السماحة والسلام، ولكن ردود الأفعال على الجانب الآخر لم تكن تتماشى مع نداءات الرئيس، ومحاولته الدؤوبة لإقناعهم بأهمية القضية التي يبدو أنها لم تقدر بالقدر الكافي من جانب العلماء، بحيث تترجم إلى خطوات عملية، وإجراءات واضحة تشعر ملايين المسلمين بأن تعاليم الإسلام ما زالت غائبة في سلوكيات المسلمين وقناعاتهم.

وكاد الأمر أن يصل إلى الناس على أن الدولة المصرية ليست جادة في مساعيها نحو تجديد الخطاب الديني، وأن حديث الرئيس المتكرر عن التجديد لا يعد أن يكون «بروتوكوليا» تفرضه المناسبة لا أكثر، وإلا لاستطاعت الدولة أن تترجم الآراء إلى واقع يحقق رغبات الناس إلى التجديد، وتخليص التراث الديني مما علق به من خرافات طوال قرون عديدة.

ويبدو أن قيادات الدعوة الإسلامية تعاملت مع توجيهات الرئيس وفق هذا المفهوم، فالرئيس يتحدث كما يشاء وفق ما تفرضه عليه المناسبات الدينية، والعلماء يسيرون في طريقهم الرافض بل المعوق للتجديد، واتهام كل من يحاول أن يجتهد في هذا الإطار بأنه يسيئ للإسلام، بينما حقيقة الأمر أن الاختلاف والجمود واعتبار كل ما يصدر عن السلف مقدس، ولا ينبغي أن يتعرض للنقاش، حتى لو تعارض مع العقل والمنطق، بل مع صحيح الدين وسماحته.

وكان لا بد أن تحدد الدولة موقفها بوضوح من قضية التجديد.. وأنها تمثل (أم المعارك) التي تخوضها، فلا يمكن أن يحدث تغيير يذكر على سلوكيات الناس وأخلاقهم إذا لم تحسم هذه القضية، ولن يتقدم الوطن بينما المواطنون يغلبون الخرافة على استخدام العقل، وهذا ما قاله الرئيس في كلمته الواضحة أمام علماء المسلمين.
الجريدة الرسمية