رئيس التحرير
عصام كامل

إشكاليات حول صحيح البخاري


ليس تقليلًا من شأن الإمام محمد بن إسماعيل البخاري أو صحيحه، لكنه رصد للحقائق التي يعلمها علماء الدين والباحثون، وأدعوهم لتبريرها أو دحضها.


من بين الإشكاليات التي تؤخذ على "صحيح البخاري" ما قاله القسطلاني في "إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري" ص 23: وقد وقع في بعض نسخ الكتاب ضم باب لم يذكر فيه حديث، إلى حديث لم يذكر فيه باب، فاستشكله بعضهم، لكن أزال الإشكال الحافظ أبو ذر الهروي، بما رواه عن الحافظ أبي إسحق المستملي، مما ذكره أبو الوليد الباجي (بالموحدة والجيم) في كتابه "أسماء رجال البخاري"، قال: استنسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند الفربري فرأيت أشياء لم تتم وأشياء مبيضة، منها تراجم لم يثبت بعدها شيئًا وأحاديث لم يترجم لها، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض.

يؤيد ذلك ما ذكره ابن حجر في مقدمة "فتح الباري".. أي إن البخاري لم يكتب صحيحه بنفسه!

وفي موضع آخر: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري الإمام، وصفه بذلك أبو عبد الله بن مندة في كلام له، فقال فيه: أخرج البخاري قال فلان وقال لنا فلان، وهو تدليس، ولم يوافق بن مندة على ذلك، الذي يظهر أنه يقول فيما لم يسمع، وفيما سمع لكن لا يكون على شرطة أو موقوفا قال لي أو قال لنا، وقد عرفت ذلك بالاستقراء من صنيعه.

وفي كتابه "تاريخ بغداد" ج2 ص322:
وَقَالَ أبو عبد الله سمعت أبا عمر وأحمد بن محمد بن عمر المقرئ، يقول: سمعت أبا محمد عبد الله بن محمد بن عمر الأديب، يقول: سمعت أحيد بن أبي جعفر والي بخاري، يقول: قَالَ محمد بن إسماعيل يومًا: رُبَّ حديثٍ سمعتُه بالبصرة كتبتُه بالشام، ورُبَّ حديثٍ سمعتُه بالشام كتبتُه بمصر، قَالَ: فقلت له: يا أبا عبد الله بكماله؟ قَالَ: فسكت.

ويقول ابن حجر في "فتح الباري" ج10 ص 227: وَهَذَا مِنْ نَوَادِرِ مَا وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ أَنْ يَخْرُجَ الْحَدِيثُ تَامًّا بِإِسْنَادٍ وَاحِدٍ بِلَفْظَيْنِ.

المعروف أيضًا أن البخاري كان يقطع الأحاديث.. ففي صحيح البخاري ج1 ص75:

حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الحَكَمُ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبِ المَاءَ، فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ: أَمَا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِي سَفَرٍ أَنَا وَأَنْتَ، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا» فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَفَّيْهِ الأَرْضَ، وَنَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ.

وأما الرواية في صحيح مسلم ج1 ص 280 فجاءت كالتالي:
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى يَعْنِي بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ، فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً فَقَالَ: لَا تُصَلِّ. فَقَالَ عَمَّارٌ: أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ مَاءً، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الْأَرْضَ، ثُمَّ تَنْفُخَ، ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ، وَكَفَّيْكَ» فَقَالَ عُمَرُ: "اتَّقِ اللهَ يَا عَمَّارُ، قَالَ: إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ".

قَالَ الْحَكَمُ: وَحَدَّثَنِيهِ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، مِثْلَ حَدِيثِ ذَرٍّ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ، عَنْ ذَرٍّ، فِي هَذَا الْإِسْنَادِ الَّذِي ذَكَرَ الْحَكَمُ، فَقَالَ عُمَرُ: نُوَلِّيكَ مَا تَوَلَّيْتَ.

ونرى هنا أن البخاري أسقط كلمة "لا تُصَلِّ"، وأثبتها مسلم.. وكذلك أثبتها ابن ماجة في سننه ج1 ص188، وأيضا النسائي في سننه ج1 ص 170.

وَثمَّ حديث آخر.. قَالَ عَلِيٌّ، لِعُمَرَ: "أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ القَلَمَ رُفِعَ عَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يُدْرِكَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ ".. (صحيح البخاري ج8 ص 165)، والحديث كاملا في سنن أبى داود ج4 ص 140.

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بِمَجْنُونَةٍ قَدْ زَنَتْ، فَاسْتَشَارَ فِيهَا أُنَاسًا، فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ أَنْ تُرْجَمَ، مُرَّ بِهَا عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا شَأْنُ هَذِهِ؟ قَالُوا: مَجْنُونَةُ بَنِي فُلَانٍ زَنَتْ، فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ أَنْ تُرْجَمَ، قَالَ: فَقَالَ: ارْجِعُوا بِهَا، ثُمَّ أَتَاهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَمَا عَلِمْتَ "أَنَّ الْقَلَمَ قَدْ رُفِعَ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَعْقِلَ؟" قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَمَا بَالُ هَذِهِ تُرْجَمُ؟ قَالَ: لَا شَيْءَ، قَالَ: فَأَرْسِلْهَا، قَالَ: فَأَرْسَلَهَا، قَالَ: فَجَعَلَ يُكَبِّرُ.

وهنا نرى أن البخارى اكتفى بذكر ذيل الحديث وأسقط منه السند والصدر، وقد أخرج هذا الحديث ابن عبد البر في الاستيعاب ج3 ص 1103.. وزاد فيه: "فكان عُمَر يَقُول: لولا عليّ لهلك عمر".

وفى مقدمة فتح الباري: روى البخاري عن أبي هريرة (446) حديث.. وابن عمر (270)، بينما لم يروِ البخاري للسيدة فاطمة الزهراء، رضي الله عنها، سوى حديث واحد.. ولعلي بن أبي طالب (29) حديثًا فقط، وعاصر ستة من أئمة آل البيت النبوي، فلم يروِ عن أحدهم، وهذا ما يثير الشبهات حول ممالأة للعباسيين، الذين عاش في عصرهم، وكانوا يخشون العلويين.

أما كتب السنن الأخرى فقد روت عن هؤلاء الثلاثة الكثير، ومجموع ما رواه أبو هريرة وحده أكثر من خمسة آلاف، وما روته السيدة عائشة (2300) حديث، وما رواه ابن عمر (2600) حديث.
الجريدة الرسمية