دعوة تجديد الخطاب الديني تسيل لعاب المتربصين!
لست فقيها في الدين –ولا أدعي- بالقدر الذي يسمح لي الدخول في نقاش متخصص شأني في ذلك شأن الغالبية العظمى من المصريين، ولست هنا في محل الدفاع عن صاحب الدعوة لتجديد أو تصحيح الخطاب الديني أو الفكر الديني أو تنقية التراث أو الحديث عن السنة النبوية أو غير ذلك من المسميات التي أطلقها الإعلام أو رواد فيس بوك وشبكات التواصل الاجتماعي، كما أني لست ضد أو مع المسئول عن الأزهر الشريف بكل مؤسساته العلمية ومجامعه الفقهية، ولا مع أو ضد وزارة الأوقاف بكل دعاتها وأئمة مساجدها من الوزير إلى أصغر داعية وواعظ وإمام مسجد صغير!
ما دفعني للكتابة بإيجاز في هذا الأمر الخوف من خطر سوء الفهم الذي خلق حالة الجدل واللغط الدائر حول هذه القضية، منذ طرح الرئيس دعوته الشهيرة منذ 4 سنوات، ومنذ طرحها يتكرر الجدل ويعلو اللغط في كل احتفال لمناسبة دينية يكون الرئيس حاضرا فيها فيُذكر بدعوته المهمة، وما إن ينتهي الرئيس من كلمته حتى تنطلق الحناجر بالتحليل والتضليل والتلبيس، ويهرع المتربصون بالوطن والدين بتحميل الدعوة والكلمات بأكثر مما تحتمل ويَحرفوها عن مسارها الصحيح..
يصطادون من الكلمات -بعد فصلها عن سياقها– ليعيدوا طرحها من جديد على العامة من الناس في سياقات مختلفة فتحدث الفتنة، وينخرط الجميع في جدل عقيم لا طائل من ورائه غير إنماء بذور الفُرقة والشِقاق، والحَط على شيخ الأزهر تارة، وعلى وزير الأوقاف تارة، وعلى الرئيس تارة بهدف التأكيد على رسالة مفادها أن هناك خلافا حادا وشديدا ينذر بالخطر بين مؤسسة الرئاسة وبين الأزهر من جهة، وخلافا بين الأزهر ووزارة الأوقاف من جهة أخرى بما يعني أن هناك صداما قادما لا محالة!
والحقيقة أن الرئيس بحكم وظيفته ومسئوليته السياسية عن الوطن والشعب، وأن الأزهر وشيخه الجليل بحكم وظيفته ومسئوليته الدينية ورعايته للأزهر والمسلمين، وأن وزير الأوقاف بحكم وظيفته ومسئوليته عن الدعوة يقفون جميعا على رقعة أرض واحدة، وينطلقون إلى هدف واحد هو ضرورة وأهمية مواجهة الإرهاب والتطرف بكل صوره وأشكاله وحتمية مواجهة وكشف الفكر المتشدد والغلو في التدين على غير سند من الدين والسنة الصحيحة..
لكنه يبدو أن كل منهم في مكان بعيد عن الآخرين رغم أنهم على أرضية واحدة، وأن هناك بعض التشويش أصاب جوهر الدعوة إلى التجديد أو التصحيح في الخطاب الديني المتعلق بالفهم الصحيح، والمؤكد أنه لا يوجد أي سوء نية لدى أي طرف من هذه الأطراف المعنية بالدعوة الرئيس وشيخ الأزهر ووزير الأوقاف.
لم يطلب الرئيس أو يجرؤ أحد كائنا من كان أن يعبث بثوابت الدين أو بأوامره ونواهيه، ولا بالسنة الصحيحة التي جاءت وتواترت بسند صحيح عن الرسول الكريم، ولم يطلب أحد حذف سطر أو كلمة أو حرف أو نقطة مما جاء في القرآن الكريم أو السنة الصحيحة، ومن يقل بذلك فهو من المتربصين والكارهين للدين والوطن، وهو من أهل الشر والنية السيئة!
في احتفال المولد النبوي الشريف جدد الرئيس دعوته للعمل بجهد ودأب لإنقاذ الشباب من خطر الوقوع بين براثن الفئة الضالة من المتطرفين وأصحاب الأفكار المتشددة، وأكد على ضرورة تصدير خطاب متسامح ووسطي يواجه الغلو والتشدد، ويرفع مستوى الوعي عند الناس حتى يكونوا قادرين بوعيهم على فرز ما يتعرضون له من آراء وأفكار مغلوطة على مدار الساعة.
الرئيس وجه كلامه لأُولي الأمر في المؤسسات الدينية، ولم يطلب منهم حذف أو إضافة أو إنكار أي شيء كما يحلو للبعض التقول على الرئيس أو على من يقفون إلى جانب دعوة التجديد والتصحيح للمفاهيم المغلوطة، وكما يريد المتربصون أن يصوروا للعامة أن هناك هجمة على الدين والسنة النبوية!
لا يوجد خلاف بين مؤسسة الأزهر ومؤسسة الرئاسة فكلاهما يحفظ للآخر قدره، ولا يوجد خلاف جوهري بين الأزهر والأوقاف ولا يسعدنا وجوده بأي صورة، فكلاهما يعرف دوره وحدوده.. فالهدف واحد.. لكن ربما الطريقة مختلفة في المعالجة.
لذلك أرى أن طرح هذه القضية على العامة والإعلام لم تعد صالحة، لأنها تعطي فرصة ذهبية لاختراق هذه المؤسسات وإثارة فتنة لا حاجة لنا فيها، وأدعو الرئيس وشيخ الأزهر ووزير الأوقاف ومن يعنيهم الأمر في هذه المؤسسات لمناقشة هذه القضية في جلسات مغلقة بعيدا عن الرأي العام، وبعد التوصل إلى القواسم المشتركة وإزالة اللبس الحاصل -منذ تم طرح الفكرة- يتم طرح إستراتيجية متكاملة على العامة ويقوم المعنيون بعملية التجديد أو التصحيح أو التنقيح في كل أجهزة الدولة.. أزهر وأوقاف وتعليم وثقافة وإعلام بتقديم خطاب جديد مستنير يواجه الخطر القائم والمستمر ويغلق الباب في وجه من يريد إيقاظ الفتنة وتأجيج نارها الكامنة دائما تحت الرماد.. والله من وراء القصد.