«سنة 8 ربيع عربي».. من تونس إلى اليمن «ثورة خلقت شبه دولة»
مرت ثمانية أعوام على ثورات الربيع العربى التي شهدتها دول منطقة الشرق الأوسط، التي تفجرت في تونس معلنة انطلاق شرارة البداية لتنتقل بعدها إلى ليبيا ومصر وسوريا واليمن، وهزت رياحها أنظمة أخرى.
ومع انطلاق هذه التظاهرات في يناير من العام 2011، حلمت الشعوب بمزيد من الرخاء والتقدم السياسي والاقتصادي بعدما رفع المتظاهرون حينها شعارات "العيش والحرية والكرامة الإنسانية".. إلا أن الرياح لم تأت بما اشتهت السفن، ومثل سقوط الأنظمة القديمة بداية لفتح ملفات أزمات تعانى منها هذه الدول حتى الآن، بعضها نجح في الاستقرار وتخطى عقبة الفوضى ليصطدم بكابوس الاقتصاد، والآخر غرق في معارك وحروب أهلية وسط استغلال تيارات راديكالية غياب الدولة ووجدت لنفسها حصة معتبرة فوق أراضيها.
تونس متخبطة
تونس التي كان لها شرف إشعال شعلة ثورات الربيع العربى، وبالرغم من اعتبار البعض بأنها تمثل النموذج الناجح بين دول الثورات، بدأت تظهر على سطحها السياسي مؤشرات قوية على عودتها إلى الخلف خطوات ودبت الفرقة في جسدها السياسي، لنجد في العام الثامن من الثورة، اتهامات علنية من رئيس البلاد الباجى السسبسى، لرئيس حكومته يوسف الشاهد، بتنفيذ انقلاب من خلال تعاونه مع حركة النهضة –الإخوان-، لإجراء تعديل وزاري يمنح الغلبة للجماعة أمام شرعية الرئيس.
الأزمة السياسية التي تعانيها تونس، تلاحقها أيضا كارثة اقتصادية دفعت الاتحاد العام للشغل إلى الدعوة لإضراب عام في عموم البلاد يوم 17 يناير المقبل، مع مستهل السنة التاسعة من ثورة البوعزيزي، بعدما تدنت الرواتب نتيجة قرض وشروط صندق النقد الدولى.
مصر تعاني
عقب تونس، كانت مصر المحطة الثانية في قطار الثورات، وبالرغم من نجاح القاهرة في تخطى مرحلة الفوضى بفضل تماسك أجهزتها الأمنية، إلا أنها لازالت تعانى من أتون أزمة اقتصادية طاحنة نتيجة ممارسات خاطئة خلال العقود الماضية.
خطة الإصلاح الاقتصادي التي تبنتها الحكومة بهدف إنقاذ البلاد من كبوتها، ووضعها على طريق ممهد يضمن له التقدم والاستقرار، له فاتورة باهظة يعانى منها الشعب الأمر الذي دفع غالبيته للشعور بعدم جدوى ثورة خلفت عقدا زمنيا كاملا مغمورا في أزمة.
ميلشيات ليبيا
ليبيا محطة عبور قطار الثورة من تونس إلى مصر، عاد إليها بالخلف ليضربها بأزمة تخطت السياسية والاقتصاد، بعدما أصبحت الغلبة والكلمة العليا للسلاح وهزم الرصاص صوت العقل.
أصبحت بلاد أحفاد المختار "شبه دولة"، تسيطر ميلشيات مسلحة تحمل أجندة خارجية على غربها، وجنوب تائه في رمال الصحراء والأحكام القبيلة، وشرق يصارع للنجاة، معلقا آماله على جيش تشكل تحاك حوله مؤامرات دولية تهدف لتقويض دوره ومنع تسليحه.
سوريا الدم
ثورة سوريا التي بدأت رافعة شعارات سياسية سلمية، سريعا ما تحولت إلى ثورة دموية تتنازع على قيادتها جماعات إرهابية أبرزها "داعش" الذي نجح في ترويع الإقليم.
الدولة صاحبة الحضارة الضارب جذورها في التاريخ، إلى مسرح تلعب فوق خشبته أجهزة دولية أدوار البطولة، ونظام يقدم مصلحته الشخصية ويضع البقاء فوق كرسي الحكم مقدما على أي اعتبارات إنسانية.
هجرات جماعية للسوريين عبر البحر بهدف البحث عن وطن بديل، نساء وأطفال وشيوخ يذبحون على المشاع، أسلحة كيمائية فتاكة تحرق الأخضر واليابس تتساقط في براميل من السماء، أرض خصبة لاستعراض القوة التي لم تخل من التواجد الإسرائيلى، دولة منتهكة بالمعنى الحرفى للكلمة، تشبه إلى حد كبير حطام منازلها المدمرة نتيجة الاقتتال.
اليمن التعيس
بعد انقضاء أعوام الثورة، وذهاب نشوة الانتصار، انتهى المطاف باليمن السعيد للسقوط في قبضة ميلشيات الحوثى، تتحكم في البلاد والعباد، وتحول المواطن اليمنى إلى مشروع قتيل على يد المسلحين في الداخل، أو عبر طائرات التحالف الدولى التي تجاهد بهدف تمكين الحكومة الشرعية من ممارسة مهامها، لكن تلقى قنابل وتطلق صواريخ لا تفرق بين مدنى ولا مسلح وتحصد أرواح من يقوده حظه العثر في مارماها، تحول اليمن السعيد في السنة الثامنة للثورة إلى بلد تعيس يقيم في المقابر لتشييع ضحاياها.