رئيس التحرير
عصام كامل

تأهيل «المواطن الرقمي» للاندماج في الاقتصاد العالمي


"في هذا العالم لا شيء مؤكد باستثناء الموت والضرائب" مقولة لبنيامين فرانكلين ١٧٨٩م.. ولكن بعد طفرات التكنولوجيا في العصر الحالي، أصبح لا شيء مؤكدا باستثناء التسارع التكنولوجي الذي أصبح يشكل العالم الحديث.


إن مصطلح «المواطن الرقمي» أطلقه مارك برينسكي، ليعبر عن مجتمع الأفراد الذين عاصروا واندمجوا مع إحداثيات عصر الإنترنت والتكنولوجيا والذكاء الصناعي، وقادرين على استيعاب ما هو آت من قفزات تكنولوجية قد تفوق استيعاب بعض البشر، الذين لا يصنفوا كمواطنين رقميين، وعلي الجانب الآخر هناك ظهر مصطلح «المهاجر الرقمي»، ليعبر عن أجيال ما قبل الطفرة التكنولوجية ومحاكاة نمط الحياة الرقمية، من تعليم وعمل وترفيه وتواصل وتسوق وخدمات المواصلات والصحة.. وبرز مصطلح آخر وهو الأيتام الرقميين، معبرا عن الشريحة القليلة الكفاءة في التعامل مع البيئات التكنولوجية.

وفي دراسة بحثية أعدها «معهد تشارترد لتكنولوجيا المعلومات»، أن 81 في المائة من مديري الموارد البشرية يعتقدون أن الكفاءة الرقمية أحد أهم المهارات الرئيسية للتوظيف، وكان ٩٧ ٪؜ منهم يرى أن إدارة البريد الإلكتروني من المهارات الأساسية، وأكد ٥١٪؜ منهم أن الكوادر البشرية العاملة في شركاتهم يعتبرون مواطنين رقميين.

إن التطور التكنولوجي أصبح أحد متغيرات التنمية الاقتصادية للدول، ومؤخرا حصل "بول رومر" على نوبل للاقتصاد ٢٠١٨، وقد طور النظريات الكلاسيكية نحو التنمية، وحدد أربعة متغيرات تشكل معدل النمو الاقتصادي: الرأسمال النقدي والعمل والرأسمال البشري ومعدل التكنولوجيا في الدولة.

وعن تحول المدن التقليدية إلى مدن ذكية متكاملة الخدمات، فقد ذكر "ميونيش كيترابال"، مدير المدن الذكية وإنترنت الأشياء في سيسكو سيستيمز إحدي شركات التكنولوجيا بوادي السليكون، أن هناك 3000 إلى 5000 مدينة في العالم، تستعد لتحقق المعايير لهذه المدن من إنترنت الأشياء والذكاء الصناعي، ليصبح المواطن الرقمي هو مواطن هذه المدن، أما المهاجر الرقمي سيصبح معزولا عن التطور الذي ستحققه هذه البيئات. 

وقد خططت الحكومة المصرية لإنشاء عدة مدن تواكب معايير المدن الذكية، أهمها العاصمة الإدارية، التي ستكون أول مدينة ذكية متكاملة في الشرق الأوسط، حسب المعايير إلى جانب العلمين وغيرها مع سعي دبي وأبو ظبي نحو التحول لمدن ذكية... هذه المدن توفر الرقابة الأمنية المتطورة والقضاء على التلوث والازدحام، إلى جانب تطور التعليم والصحة ووسائل النقل، وهي المشكلات التي تعاني منها المدن الكبرى.

وفي تطور محتوم وفي نطاق خطة تطوير التعليم المصري، قرر وزير التعليم طارق شوقي إتاحة التابلت مجانا للطلبة كأولوية حتمية نحو التطور.. وعلى جانب آخر استخدمت وزيرة السياحة رانيا المشاط أدوات التسويق التكنولوجي، في معرض لندن كرسالة فعالة لإدراك متغيرات السوق العالمية.

وفي نطاق سعي وزيرة التخطيط هالة السعيد نحو تأهيل الاقتصاد المصري، ليتحول لاقتصاد رقمي فقد أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرا قرارًا جمهوريًا رقم 89 لسنة 2017 بإنشاء المجلس القومي للمدفوعات برئاسته، ويهدف إلى خفض التعامل بأوراق النقد خارج القطاع المصرفي، وتفعيل الأنظمة الإلكترونية عبر الإنترنت أو المحمول أو الماكينات، ومراقبة عمليات غسيل الأموال، وتحقيق الشمول المالي وتقليص الاقتصاد غير الرسمي.

ونحو تفعيل التنافسية، وأيضا تحقيق الحماية الإلكترونية يجهز المجلس إلى إعداد مشروع قانون تطوير المعاملات المالية غير النقدية، وتعزيز مبادرة البنك المركزي بإنشاء نظم بطاقات دفع ذات علامة تجارية وطنية، وتمكين حامليها من استخدامها في الحصول على الخدمات المالية المختلفة، لإدماجهم في النظام المالي، أيضا يجب ألا نغفل اتفاقية الهيئة القومية للبريد مع شركة فيزا العالمية، لتدريب الموظفين العاملين في مكاتب البريد نحو التكنولوجيا في ذات النطاق.

أصبحت الدول تقيس قدراتها التكنولوجية بعدد المواطنين الرقميين وليس بنسب أمية القراءة، وفي ظل تطور البنية التحتية الرقمية في مصر، حسب خطة ٢٠٣٠، أصبح القضاء على الأمية الرقمية تحديا أمام الدولة المصرية لتأهيل جيل الشباب (الأيتام الرقميين)، نحو الاندماج في إحداثيات الاقتصاد الرقمي العالمي، الذي سيحكم العالم خلال سنوات من خلال الذكاء الصناعي، والإنترنت والاقتصاد الرقمي كمقومات للثورة الصناعية الرابعة، التي تفرض إحداثياتها على العصر الحديث.
الجريدة الرسمية