ازدواجية المعايير بين «سكريبال» و«خاشقجي»
تعرض الصحفي "جمال خاشقجي" لتعذيب شديد في القنصلية السعودية في إسطنبول قبل قتله وتقطيع جثته. وبما أن جريمة القتل وقعت في قنصلية المملكة العربية السعودية، فبذلك تتحمل المملكة المسئولية الكاملة عن وفاة الصحفي، وهنا منطقيا نفترض أن أمر ارتكاب القتل قد أعطته الدولة السعودية.
وزيادة على ذلك اعترفت المملكة العربية السعودية بهذه الجريمة، وتم إقالة اللواء أحمد العسيري نائب رئيس المخابرات السعودية وسعود القحطاني المستشار بالديوان الملكي السعودي. إذن نحن أمام جريمة كاملة بتعذيب وقتل وتقطيع جثة إنسان. هذا الإنسان ليس فقط صحفيا ولكن هناك شكا كبيرا في أنه كان يعمل لصالح المخابرات السعودية والأمريكية.
ردا على هذه الحقائق، كانت التصريحات الأولية لدونالد ترامب أنه طالما لا يوجد دليل 100٪ على ذنب السعوديين، فإن افتراض البراءة قائم في اتجاههم.
وبالرغم من اعتراف السعوديين بهذه الجريمة بعد ذلك، إلا أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يدافع حتى الآن بقوة عن علاقات واشنطن مع الرياض. ففي بيان له قال "السعودية حليف موثوق وافق على استثمار مبالغ مالية غير مسبوقة في الولايات المتحدة".
في حين أن في البيان نفسه اعترف بأن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ربما كان على علم بمقتل خاشقجي. وإذا نظرنا لمواقف الدول الغربية من هذه الجريمة، سنجد أنها لم تتعد مرحلة التصريحات الإعلامية. فمثلا "تريزا ماري" علقت على هذه الجريمة بقولها "الرجال المشتبه بهم في هذه الجريمة لن يسمح لهم بدخول بريطانيا" وكأن هذا التصريح عقاب قوي وجاد تجاه قتلة "جمال خاشقجي".
في حين أن الرئيس الفرنسي "ماكرون" ذكر أن فرنسا لن تتردد في توقيع عقوبات على كل من اشترك في جريمة قتل "خاشقجي" ولكن لم يذكر لنا ماهية هذه العقوبات وآليات تنفيذها.
أما لو نظرنا لحالة محاولة تسميم العميل الروسي السابق "سيرجيه سكريبال"، نجد أنفسنا أمام محاولة قتل وليس عملية قتل. فـ"سكريبال" لم يمت. وبالرغم من ذلك نجد اتهامات غربية رسمية تفيد بأن فلاديمير بوتين شخصيا مسئول عن ذلك. وتم فرض عقوبات اقتصادية على روسيا من جانب دول الاتحاد الأوروبي ومن جانب الولايات المتحدة، بالرغم من عدم إثبات تورط روسيا بشكل كامل حتى الآن في عملية تسميم "سيرجيه سكريبال" في سالزبوري البريطانية.
وازدواجية هذه المعايير في حالتي "سكريبال" و"خاشقجي" واضحة جدا وعلى أعلى مستوى، فمن الواضح أن لا أحد يريد معاقبة المملكة العربية السعودية بقوة في قضية "خاشقجي". وذلك بسبب الاستثمارات السعودية العملاقة في اقتصاد الولايات المتحدة وشرائها للأسلحة البريطانية بشكل دائم.
أما روسيا فهي دولة عدو للمصالح الأمريكية والأوروبية، لذلك تم اختراع سيناريو تسميم "سكريبال" للضغط على اقتصاد روسيا لتقويض مواقفها في الشرق الأوسط وشرق أوروبا. ففي الواقع تستخدم النخبة الغربية سببًا مفتعلًا وواهيا في قضية "سكريبال" من أجل التلاعب بموسكو والقدرة على فرض عقوبات جديدة ضد روسيا، لتعزيز مصالحها الاقتصادية على حساب المصالح الروسية.
نحن هنا لا نطالب بتوقيع عقوبات اقتصادية أو سياسية على دولة عربية لديها مكانة كبيرة في قلوبنا، لكن سئمنا من المواقف الغربية المتناقضة تجاه قضايا دولية مختلفة، طبقا لمصالحها الخاصة ضاربة بعرض الحائط كل القوانين والمواثيق الدولية.