بركان الغضب.. 2018 يقود إيران إلى حافة الهاوية.. تصدع اقتصادي وصراع أجنحة.. حصار إقليمى وضربات أمنية موجعة.. خيانة أوروبا بـ«خلايا الاغتيالات».. والهيروين والاختطاف يدمران علاقات الداخل والخ
«سوف أبني يا وطني.. ولو بلبنات من روحي.. وسوف أرفع أعمدة سقفك.. ولو بعظم من عظامي».. أبيات شعرية يرددها متظاهرو إيران في تظاهراتهم ضد نظام المرشد على خامنئي، وتعود لشاعرة إيران الثائرة «سيمين بهبهاني».
ويعد 2018 العام الأصعب على نظام الملالي في الألفية الجديدة، فطوال الـ40 عاما من عمر نظام ولاية الفقيه في طهران، لم تشهد البلاد ضربات موجعة في عدة جبهات سواء على المستوى الداخلي أو السياسة الخارجية.
النووي الضربة الأبرز
قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلغاء الاتفاق النووي في مايو الماضي وإعادة فرض العقوبات على طهران، ثم تشديدها في نوفمبر الماضي، ليضيق الخناق الاقتصادي على نظام الملالي، الأمر الذي أدي إلى ارتفاع قياسي في أسعار العملات الأجنبية أمام الريـال الإيراني، ووصل سعر الدولار الأمريكي إلى 130 ألف ريـال إيراني، لتفتح فوهة بركان التظاهرات والاحتجاجات العمالية والفئوية في ظل تأخر صرف الرواتب وارتفاع التضخم إلى أرقام قياسية، وكذلك ارتفاع نسبة الفقر في إيران.
وشهد شهر أكتوبر، ١٥٣٣ حركة احتجاجية في ٣٢٣ مدينة إيرانية ضد نظام خامئني وفقًا لتقرير المقاومة الإيرانية في الداخل (مجاهدي خلق)، وهو ما اعتبره مراقبون مؤشرا على أن الثورة مشتعلة في شوارع إيران في انتظار تحولها إلى بركات يسقط نظام «آيات لله».
الاقتصاد وأزماته الداخلية أدت إلى تغيرات متلاحقة في المجموعة الاقتصادية بحكومة الرئيس حسن روحاني، وتغير رئيس البنك المركزي، ما شكّل محاولة مستعصية من قبل نظام خامنئي لإنقاذ الاقتصاد.
صراع الأجنحة
النووي والتظاهرات صاحبها أزمات سياسية وصراع أجنحة داخل بيت المرشد، حيث وجه الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد أكثر من رسالة إلى خامنئي، يحذره من استمرار سياسته القمعية وعدم الشفافية والفساد ما يهدد بانهيار النظام، كاشفًا عن ثروة المرشد الأعلى والتي تصل لأكثر من 190 مليار دولار، فيما نحو نصف الشعب الإيراني تحت خط الفقر.
وخرج الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، في نوفمبر الماضي، يحذر من أن انتشار الفساد في بلاده ستكون له عواقب وخيمة على النظام، في ظل ارتفاع الغضب الشعبي في الشارع الإيراني.
وتأتي إيران كأعلى بلد في العالم من ناحية مخاطر غسيل الأموال، من بين 149 بلدًا لمؤشر بازل المتخصص في رصد مخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
وقال نائب وزير الخارجية الإيراني «مرتضى سرمدي»، في تصريحات صحيفة: «إن حجم الغسيل السنوي للأموال في إيران يصل إلى ما يتراوح بين 10 إلى 15 مليار دولار».
الأمر لم يتوقف على صراع الأجنحة الداخلي ولكن امتد إلى معارضة الخارج لزيادة وتعميق الأزمات وخنق النظم الإيراني، حيث أكد المؤتمر السنوي للمجاهدي خلق المعارضة الإيرانية الأبرز في الخارج، في يونيو الماضي، وجود قوة سياسية إيرانية تشكل تهديدا لبقاء نظام خامنئي.
تحالف القوميات
«مجاهدي خلق» لم تكن وحدها في ميدان السياسة المعارضة حيث شكلت 10 أحزاب إيرانية من مختلف القوميات والتيارات تحالفا يهدف إلى إسقاط نظام خامنئي، وهي: «التحالف الديموقراطي الأذري» و«حركة دعاة الجمهورية الديموقراطيين والعلمانيين في إيران» و«حزب التضامن الديموقراطي الأهوازي» و«الحزب الديموقراطي الكردستاني في إيران» و«الحزب الديموقراطي الكردستاني» و«حزب كوملة الكردستاني» و«حزب الشعب البلوشي» و«منظمة اتحاد فدائيّي الشعب» و«المجلس المؤقت لليسار الاشتراكي في إيران» و«الثوار الكادحين الكردستانيين» (كومولة).
المستوي الأمني
وعلى المستوى الأمني تعرّض النظام الإيراني للعديد من الضربات الموجعة، والتي لم تشهدها البلاد منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث واصل المتمردون البلوش توجيه ضرباتهم الموجعة للحرس الثوري، وكان آخرها اختطاف 14 جنديا في أكتوبر الماضي، أفرج عن 5 منهم في نوفمبر الماضي، وكذلك عملية استهداف العرض العسكري الإيراني في الأحواز في سبتمبر الماضي، التي أدت إلى مقتل وإصابة العشرات، في ضربة أمنية واستخباراتية كبيرة لمنظومة الأمن والنظام في طهران.
وواصل المتمردون الأكراد في إقليم كردستان إيران، ضرباتهم للأمن الإيراني، واستهداف المسلحين الأكراد الحرس الثوري الإيراني في مناطق نفوذهم ، مما أدى إلى شن إيران عمليات اغتيال لقادة الأكراد المقيمين في كردستان العراق.
انحسار المد الإقليمى
طوال 40 عاما كان النظام الإيراني يتمتع بحضور قوي في الساحة الخارجية، ويعمق نفوذه ومكانته في المنطقة والعالم، ولكن مع فرض العقوبات الأمريكية، بدأ المد الخامنئي يتراجع في المنطقة، فالحوثيون يوشكون على السقوط في اليمن، أو الاستسلام عبر مفاوضات أممية، بعدما نجحوا في السيطرة طوال 4 أعوام على مقاليد الأمور في صنعاء.
وفي العراق تراجعت شعبية إيران بالشارع الشيعي العراقي، وهو ما كشفه استطلاع لمؤسسة المستقلة للأبحاث ومقرها بغداد، أن نسبة الشيعة العراقيين الموالين لإيران، انخفضت من 88% في 2015 إلى 47% في خريف 2018، وفي الفترة ذاتها، ازدادت نسبة المعارضين لإيران من 6% إلى 51%، ما يشير إلى أن غالبية الشيعة العراقيين لديهم موقف سلبي تجاه إيران.
كذلك خسرت إيران معركة الانتخابات، حيث تصدر ائتلاف «سائرون» الذي يقوده زعيم التيار الصدري مقتدي الصدر، الانتخابات البرلمانية مما شكل ضربة لمخططات إيران في العراق، وخاصة على مستوى تشكيل الحكومة العراقية، كما هاجم متظاهرون القنصلية الإيرانية في البصرة، مما أدى إلى حرقها، وهو مؤشر يؤكد خسائر إيران في العراق.
الخليج العربى
اما على مستوى الخليج، فان إيران نسجت علاقات قوية مع قطر، وتحتفظ بعلاقات جيدة مع سلطنة عمان، وفاترة مع الكويت، ومازالت الثقة مفقودة في علاقتها مع المملكة العربية السعودية.
وفي لبنان ورغم تحقيق حلفاء إيران نتائج جيدة في انتخابات البرلمانية في مايو الماضي، إلا أن حزب الله يعيش مأزق العقوبات الأمريكية، وأصبح انتصاره الانتخابي، حملا ثقيلا على الدولة اللبنانية، والتي تعيش مأزق تشكيل الحكومة، مما شكل ضربة لإيران في لبنان.
وفي سوريا، ورغم قوة الحضور الإيراني منذ اندلاع الأزمة السورية في 2011، إلا أن عام 2018 شهد مكاسب قوة لصالح روسيا وتركيا، وتعرضت القوات الإيرانية لضربات موجعة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.
رقصة الخيانة
على الصعيد الأوروبي، شاب العلاقات بين إيران ودول الاتحاد الأوروبي خيانة وغدر، وبينما تقف القارة العجوز إلى جانب طهران في الاتفاق النووي ضد الولايات المتحدة الأمريكية، أطلق النظام في طهران رجاله للعبث في أمن واستقرار أوروبا عبر خلايا الاغتيالات.
واعتقلت ألمانيا الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي، عقب تورطه في مخطط لشن هجوم على حشد للمعارضة الإيرانية في باريس، في يونيو الماضي، وهي القضية التي تشابك فيها دول فرنسا وألمانيا وبلجيكا، كما اعتقل نرويجي من أصل إيراني في 21 أكتوبر الماضي في السويد، وفق الاستخبارات السويدية، وتم توقيفه بعد الاشتباه بأنه أعد الهجوم وتجسس لحساب إيران.
هذه الأزمة ولعبة الخيانة امتدت إلى فرنسا التي أغلقت «جمعية الزهراء»، بتهمة نشر التطرف والإرهاب والكراهية في أوروبا، وهي التي تشكل إحدى أبرز أدوات إيران في أوروبا التي تعمل تحت غطاء جمعية خيرية.
وفي أكتوبر الماضي، ضبطت الشرطة الإيطالية 270 كيلوجرامًا من الهيروين في حاوية وصلت على سفينة قادمة من ميناء «بندر عباس» الإيراني، وتوقفت في هامبورج بألمانيا وبلنسية في إسبانيا قبل أن تصل إلى ميناء جنوة الإيطالي في 17 أكتوبر الماضي، حيث عثرت الشرطة على الهيروين الذي تم إخفاؤه في شحنة من طمي البنتونيت، كانت في طريقها إلى هولندا عبر سويسرا وفرنسا وبلجيكا، قبل أن تصل إلى مدينة "روشندال" الهولندية.
التحركات الإيرانية المزعومة لاستقرار أوروبا أدت إلى إعلان وزير خارجية الدنمارك، أندرس سامويلسون، أن بلاده ستضغط لفرض عقوبات جديدة من الاتحاد الأوروبي على إيران، بسبب محاولات مشتبه بها للمخابرات الإيرانية بشن هجوم على أراضي الدنمارك.
عام المكاشفة
يشكل 2018 عام تعرية النظام الإيراني وكشفه أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، وما يشير إلى أن النظام يعيش مأزق البقاء.
وخلص مقال بقلم «روئل مارك جركت»، و«ري تيكية»، تحت عنوان: «اتركوا خامنئي وروحاني يتصارعان» نشر بصحيفة «وال ستريت جورنال»، إلى أن استمرار الصراع على السلطة والتآمر بين ثوار الحكم ورجال الدين قد يقوِّد نظام الجمهورية الإسلامية ويصل به إلى نقطة النهاية، ومن المحتمل أن يصاب بشلل، في الوقت الذي يواجه فيه استياء شعبيا عاما وتراجعا اقتصاديا.
وأضاف المقال: إن «إيران عبارة عن بركان ونحن نريد لهذا البركان أن ينفجر وكلما كان الانفجار سريعًا سيكون هذا أفضل للولايات المتحدة وبلدان الشرق الأوسط».