وأنا أسأل الإمام الأكبر
أستعير الفقرة التالية من مقال لزميلنا الكاتب أحمد رفعت، نقلها عن الإمام أبي حامد الغزالي، رحمه الله: "ينبغي أولا استبعاد ما يتعارض مع القرآن منها (الأحاديث النبوية) لأنه قطعا ليس من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم النظر في متن الأحاديث "أي نصها ومضمونها"، وليس في سلسلة رواة الأحاديث فقط مع شروط أخرى بعضها سبقه إليها غيره لكنه وضعها في سياق موضوعي وصاغها ببلاغة فائقة".
بالقطع واجه الغزالي، وقتها، حملة ضارية وهجومًا شرسًا، لكن من حسن حظه أن علماء الإسلام آنذاك لم يكونوا قد توصلوا إلى تهمة "ازدراء الأديان"، وإلا لكانوا حبسوه 9 أشهر على الأقل.
ونقلا من مقال للكاتب الصحفي مصطفى السعيد: "إذا كان شيخ الأزهر مصممًا على أن روايات البخاري عن أحاديث الرسول كلها صحيحة والمكتوبة بعد قرنين من وفاته، أتحدى شيخ الأزهر أن يتذكر خطابه في ذكرى المولد النبوي، فإذا استطاع أن يتذكر خطبته بعد مرور عدة أيام فسأصدق أن روايات البخاري المكتوبة بعد مرور قرنين صحيحة".
ما رأيكم في هذا الكلام؟.. أرى أنه شديد المنطقية.
وقد تساءل أحد القراء: "السؤال الأهم هنا: من حقق هذه الكتب؟! خاصة إذا علمنا أن تدريسها في دمشق بدأ في القرن الثامن الهجري! أوَ ليس المحققُ في هذه الحالات بمثابة المخرج للأمر برمته؟!".
وبدوري أتوجه بالسؤال للعالم الجليل، الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر: إلامَ تظل صامتًا إزاء كتب الصحاح والتراث التي تجعل من رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، إنسانًا يائسًا، والعياذ بالله، يحاول الانتحار عندما انقطع الوحي؟!. إلامَ تبقى راضيًا عن الكتب التي تجعل من رسول الله رجلًا، وأستغفر الله، ضعيفًا، تحركه شهوته، ويجرى وراء كل امرأة يشتهيها؟! إلامَ تلتزمُ السكوتَ عن الكتب التي تجعل من المعصوم شخصًا عاديًّا يُضرب ويُجرح ويُسمم ويُسحر؟!.
هل تطلبون منا أن نصدق حديثًا مثل حديث الرجل الذي قتل 99 نفسًا، وكاد أن يكمل المائة لولا لقائه بأحد الصالحين؟!.. إننا نحس أننا نقرأ في كتاب أساطير يونانية تسيء إلى الله العزيز العليم، والعياذ بالله.
من يصدق سيناريو روايات الإسراء والمعراج، التي تخالف القرآن والعقل والمنطق، وتكاد تكون صورة من الأساطير اليونانية والفارسية منقولة بالنص تقريبًا.
الأزهرُ هو القلعة التي يجب أن تأخذ زمام المبادرة، وتقدم إجابات وافيةً لكل تلك التساؤلات، التي بسببها ألحدَ الكثيرون، وثَمَّ أعدادٌ أخرى في الطريق.. الأمر لا يحتمل انتظارًا.. لا تأخذكم العزة بالإثم، أعلم أن العملية بالغة الصعوبة، والتجديد والتنقية والغربلة ستأخذ وقتًأ طويلا، لكن الأزهر وشيخَه أحمد الطيب، قادران على أن يقودا المسيرة، ويحققا المعجزة.
علينا ألا نعير انتباهنا لطائفة الشتامين والمسيئين للأئمة الأقدمين الكبار، الذين بذلوا جهودًا مضنية في سبيل تحقيق التراث، وضبط الأحكام الفقهية، وترتيب قواعد العقيدة، وتنظيم وقائع السيرة.. لكن علينا أن نضع في الاعتبار أنهم بشر، وأنَّ العالم يتطور، ويجب على العلماء أن يواكبوا تلك التطورات المتلاحقة، خاصة في الفقه والقضايا الحديثة، مثل: وسائل التواصل الاجتماعي، والإنترنت، والبيئة، والتنمية المستدامة، والهجرة غير الشرعية، وأطفال الشوارع، والعنف، والفئات المهمشة، والتزييف، والملكية الفكرية، والأمية الإلكترونية، والتنمية البشرية، وتبادل الزوجات، وسباق التسلح، والروبوتات.... إلخ، تلك القضايا والمشكلات التي يمر بها عالمنا الحاضر، ويطرأ علينا منها الكثير، بصفة شبه يومية.
علينا ألا نكتفي بدفن رءوسنا في الرمال، وألا ننتظر كرة الثلج حتى تهبط فوق جماجمنا فتحطمها.. من واجب الجميع، أن نقارن اقتصادنا وصناعتنا وتجارتنا وإمكاناتنا بمثيلاتها الأجنبية، وأن نبحث عن أسباب تفوقهم.. أن نعيش الحاضر، لا أن نكتفي بالتغني بأمجاد الماضي.
ومع كامل احترامنا وتبجيلنا للأئمة الأقدمين، أختم بما بدأت به من قول "الغزالي": "ينبغي أولا استبعاد ما يتعارض مع القرآن من (الأحاديث النبوية)؛ لأنه قطعا ليس من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم النظر في متن الأحاديث "أي نصها ومضمونها"، وليس في سلسلة رواة الأحاديث فقط".