رئيس التحرير
عصام كامل

ورثها عن الأجداد.. «عم فتحي» يتحدى عصر البخار بـ«المكواة الرجل» (فيديو وصور)

فيتو

في زقاق ضيق، يوجد محل صغير حفرت على جدرانه علامات الزمن، وبداخله صندوق حديدي أسفله "وابور" مشتعل وأعلاه قطعة حديد نصف دائرية بها قبضة من الحديد إلى جوارها صندوق خشبي يشبه صندوق البريد، صوت ضجيجها قد لا يسمعك بمن حولك عم يتحدثون، وكأنك في عالم آخر، وإلى يمينه مائدة مستطيلة وعليها جلباب صعيدي، يقف عليها رجل بشعر أبيض ممسكًا بيده كوب ماء، ينثر رزازه على الجلباب، وعيناه تراقب لهيب النيران، وما هي إلا ثوانِ ويضع الخشبة التي تستقبل قدمه ليضع بيده المكواة على الجلباب حتى تكون حاجزًا له من سخونة المكواة.


محل المحبة

داخل المحل الصغير يجلس عم فتحي جرجس جبرة عبد المسيح، ممسكًا بيده المكواة، يعزف بقدمه أروع سيمفونية، مستمعا لأغاني زمن الفن الجميل من راديو قديم عمره يصل إلى أكثر من 50 عامًا، الزبائن يدخلون إليه "البقاء لله.. ربنا يعزينا كلنا يا عم فتحي في أمواتنا جميعًا.. عاوز أكوي الجلابية بالمكواة الرجل مش البخار".. للولهة الأولى لا يفهم البعض سياق الحوار الذي دار لكنها دي مصر التي تجمع في حزنها أبناءها.. ويحتفلون معا بالأعياد والمناسبات التي تجمعهم.

"اللي باعنا خسر دلعنا راح لحاله يلا يودعنا بالسلامة والقلب ناسيه".. بتلك الكلمات بدأ "عم فتحي" حديثه معنا وقال: "عملت بتلك المهنة منذ أكثر من 45 عامًا، توارثتها عند جدودي وأبي وأشقائي الأربعة الذين كانوا يعملون بها، وهذه المكواة هي أساس المهنة وما زلت أصر عليها بسبب وجود الطلب عليها من قبل الكثير من الأهالي".

"البردة" الحريمي

"تعلمت مسك المكواة وكان عمري 10 سنوات.. و"البردة" الحريمي من أصعب الأشياء التي تعلمت المكواة عليها، لأنها ثقيلة الحجم وأنا كان جسدي نحيل لكن تحملت أكل العيش مر" متابع: " الشغل ده بيشد عود الصبي".

من وابور الجاز للأسطوانة

وسرد عم "فتحي" مشوار مكواة الرجل الذي يبدأ من استخدام وابور الجاز للأسطوانة، وبحسب الملابس التي سيتم كيها يتم التسخين بدرجة حرارة معينة.

وأشار إلى أنه حال وجود ثياب خفيفة يتم وضع قماش عليها حفاظًا عليها من سخونة المكواة، خاصة أن الكثير من كبار السن يفضلون هذه الكي بالطريقة القديمة في ملابس الصيف والشتاء.

لن أعيش في جلباب أبي

" أولادي رفضوا العيش في جلباب أبيهم.. ورفضوا العمل بالمهنة رغم أني شربتهم الصنعة وهم صغيرين"، كلمات تفوه بها لكن تأثيرها كان واضحا على ملامح وجهه خاصة أنه كان يريدهم الحفاظ على مهنة الآباء والأجداد: "تمردوا على مهنة العائلة وفضلوا العمل في صناعة أخرى".

واستطرد قائلًا: "بستخدم المكواة الحديثة التي تعمل بالبخار حسب الزبون الذي يطلبها، فهناك ملابس ثقيلة تحتاج المكواة الرجل أما الحديثة فهي للملابس الخفيفة والحديثه، وفي النهاية الأمر يعود للزبون".

مكواة العمد والمشايخ

عم "فتحي" يروي ذكرياته عن "المكوة الرجل":" كانت تستخدم في بيوت العمد والمشايخ والأعيان، بالبطع اختلف الحال كثيرًا هذه الأيام عن السابق، وحاليا الطلب عليها أكثر من كبار السن وبعض بيوت كبار العائلات، وأغلب الطلب حاليًا على البخار ومنذ أكثر من 15 عاما استخدم الرجل بسيط بسبب إصابتي بانزلاق غضروفي".

ليالي العيد

وعن أيام الأعياد يقول "عم فتحي" "السهرة بتكون صباحي فالجميع هنا يفضل الصلاة سواء مسلمين أو مسيحيين بالجلباب صيفًا أو شتاء، المكواة للجميع.. والدين لله.. وتحيا مصر بأهلها وشبابها".

وفي ختام حديثنا مع عم فتحي التف حولنا العديد من أبناء المنطقة قائلين: "هنا مكواة المحبة.. الدين لله والمكواة للجميع.. مهما كانت فتن الحاقدين والساعين لإفساد أفراحنا وأعيادنا".


الجريدة الرسمية