بداية قوية ونهاية متصدعة.. 2018 عام صعود وهبوط نجوم السياسة.. ترامب يغرد بالأزمات.. الأسد يحلم بالبقاء.. أردوغان ينجو بأعجوبة وسط تفاهمات سرية.. بوتين يحافظ على تصدره.. وانتقادات لاذعة لزعماء أوروبا
في رحلة حياة السياسيين، يواجه كل منهم مراحل صعود وهبوط بسبب القرارات الصادرة منهم والمواقف التي يتعرضون لها، وتصدّر الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، والفرنسي إيمانويل ماكرون، مؤشرات بورصة صعود وهبوط قادة الدول خلال 2018 بسبب الظروف السياسية والاقتصادية التي دارت في هذه الدول.
دونالد ترامب
مثل ترامب معضلة تحدٍ للوسط السياسي الأمريكي، لانعدام خبرته بالسياسة والدبلوماسية، فهو رجل تجارة من الدرجة الأولى، وكانت له العديد من القرارات التي جعلت نجمه يسطع رغم شخصيته الجدلية، وكان أبرز قراراته المثيرة للجدل: نقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة، ومحاولة تمرير صفقة القرن وتعامله مع المهاجرين واتخاذه قرار فصلهم عن أبنائهم، ومهاجمته السعودية ودول الخليج وتطاوله على حكامها والادعاء بأنه من يحميهم، وكذلك توجيه عدة ضربات لمنظمة البترول أوبك وطلب تخفيض أسعار النفط ومطالبته أعضاء الناتو بزيادة الإنفاق الدفاعي.
ومثلت العقوبات محطة مهمة في سياسة ترامب وتراوحت ما بين كوريا الشمالية بهدف إثنائها عن برنامجها النووي، وإيران رغبة في إرغامها على التخلي عن سياستها بالتدخل في شئون العديد من الدول بالشرق الأوسط، والتخلي عن تطوير الصواريخ وكذلك تركيا بهدف الإفراج عن القس الأمريكي أندرو برانسون ومد العقوبات على لبنان بسبب علاقتها بحزب الله.
كما أجرى ترامب عددا من القمم هذا العام، جعلته مركز الأضواء وكان أبرزها القمة التي أجريت مع نظيره الكوري الشمالي كيم كونج أون وتم التوصل فيها للتخلص من الأسلحة النووية وإخضاع تلك العملية للرقابة الدولية، وكذلك مع نظيره الروسي فلادمير بوتين والتي مثلت نتائجها ضربة لترامب فظهر بوتين وكأنه وضع الأخير في جيبه، حيث لم يتم التطرق لاتهام موسكو بالتدخل في الانتخابات الأمريكية الرئاسية، وإنما ناقشوا أزمات عامة أبرزها سوريا والعلاقات بين البلدين.
وكان سقوط عدد من أقرب المقربين لترامب ومنهم محاميه الشخصي مايكل كوهين والذي اتهم بالاختلاس واعترف بعرض رشوة على الممثلة الإباحية ستورمي دانيا مقابل الصمت عن علاقة أقامتها مع ترامب، وكذلك مدير حملته السابق بول مونفورت الذي قرر التعاون في التحقيقات الخاصة بالتدخل الروسي؛ ما فتح الباب للتنبؤ بامكانية سقوط ترامب قبل نهاية العام الجاري وتعرضه للمحاكمة، وتأكد ذلك بعد فوز الديمقراطيين بنسبة كبيرة في مجلس النواب في الانتخابات النصفية الأخيرة، وتأكيدهم بأنهم سيفتحون الدفاتر القديمة ويعيدون التحقيق بعدد من القضايا أبرزهم قضية التدخل الروسي والهجرة والجدار الحدودي مع المكسيك.
الرئيس الروسي
بوتين معروف بقوته ودهائه، ويسعى للتدخل بهدوء في الدول ليثبت نفسه دون إثارة الجدل، فما يهمه هو تحقيق مكاسب لدولته، وبات من الأطراف الرئيسية للصراع في سوريا، ويمسك بزمام الأمور بها، وهو من يصنع القمم والمشاورات الخاصة بإحلال السلام بالبلد التي تعاني من الصراع منذ 8 سنوات وكذلك يطلق العمليات العسكرية ضد المسلحين، ويدعم النظام السوري من أجل بقائه.
وكان فوز بوتين بولاية رئاسية رابعة بنسبة 76،67 %، أكبر دليل على سيطرته الحاسمة على الأمور رغم ظهور عدد من المعارضين الذين سريعا ما تختفي أصواتهم بالاعتقال أو الاختفاء، وأبرزهم المعارض أليكسى نافالنى، كما كان كأس العالم حلقة في ظهور بوتين بالمظهر الذي يحبه دائما، وخاصة مع إشادة العالم أجمع بتنظيم البطولة على مستوى عال وخلوها من التهديدات الإرهابية.
أما أكثر ما أزعج بوتين هذا العام، وتسبب في التشويش على صورته القوية، فهو محاولة اغتيال العميل البريطاني سيرجي سكريبال وابنته اللذين نجيا من الموت، بعد إصابتهما بالغاز السام، لتتهم بريطانيا مباشرة روسيا بأنها من وراء عملية الاغتيال ويصل الأمر إلى مقاطعة كأس العالم، وتطور الأمر لإعلان عدد من الدول أيضا منها أستراليا وبولندا وأيسلندا والدنمارك والسويد المقاطعة دعما للمملكة المتحدة، كما سارعت أمريكا بفرض عدة عقوبات اقتصادية على روسيا.
إيمانويل ماكرون
منذ وصول الرئيس الفرنسي الشاب، إيمانويل ماكرون للحكم، وهو يحاول خلق مساحة له ولبلاده على الساحة الدولية، وظهر بقوة خلال تعامله مع الأزمات بالشرق الأوسط وتدخله لحل الصراعات، وظهر ذلك حين أعلن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته من السعودية وقيام ماكرون بزيارة له بعد عودته لبلاده، والتوسط لإيجاد حل للأزمة الليبية، وإعادة دور فرنسا ببلاد المغرب العربي عبر قيامه بزيارات للمغرب وتونس والجزائر من أجل إعادة الحوار مرة أخرى معها، وشن هجمات عسكرية على سوريا بالتعاون مع بريطانيا وأمريكا من أجل تهديد النظام السوري بعد ظهور مزاعم باستخدام الأسلحة المحرمة ضد المدنيين.
وأبرز ما ميز ماكرون مؤخرا هو دعوته لبناء جيش أوروبي قوي في مواجهة روسيا وأمريكا والصين، والقيام بخطوات فعلية من أجل تحسين قدرات جيش بلاده.
وقال الرئيس الفرنسي إن بلاده تنوي استثمار 344 مليار دولار في جيشها بين عامى 2019 و2025، وظهوره مؤخرًا على متن أكبر سفينة بجيشه خلال تدريبات مشتركة مع الولايات المتحدة.
وتعرضت صورة الرئيس الفرنسي للاهتزاز؛ بسبب اتهامه بالبذخ الذي ظهر خلال الاحتفال بعيد ميلاده بقصر شامبور، حيث عاش الملك فرنسوا الأول، واتهامه بأنه رئيس الأغنياء وليس الفقراء، وكذلك مثل اتهام حارسه الشخصي المقرب ألكسندر بينالا، بضرب أحد المتظاهرين، سببا كبيرا في إثارة الغضب ضده، بالرغم من النجاحات والعقوبات، وحمل نهاية العام رياحًا محملة بغبار السياسة، تمثلت في احتجاجات السترات الصفراء بسبب رفع الضرائب وأسعار الوقود.
بريكست ماي
بالنسبة لرئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، فعام 2018، منذ بدايته يسبب قلقًا كبيرا لها، وخفت فيه نجمها كثيرا بعد استقالة عدد كبير من أعضاء حكومتها اعتراضًا على «البريسكت» وقضايا أخرى، ووصل الأمر إلى تشكيل مجموعات للإطاحة بها خارج الحكومة، خاصة بعد أن رأوا أن الخروج من الاتحاد الأوروبي سيسبب ضررا بالبلاد، وإصراراها على تمرير صفقة البريسكت دون الاستماع لأحد.
المستشارة الألمانية
مثّل العام الجاري، نهاية سيئة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي وصفت بأنها أقوى امرأة في العالم وقادت حربا شرسة بخصوص قضية الهجرة، وبات مؤكدا رحيلها عن منصبها الذي تولته قبل 13 عاما في قيادة ألمانيا، لاسيما بعدما أعلنت أنها ستتخلى عن رئاسة حزبها الديمقراطى المسيحى، فيما وصف بأنه أقوى مؤشر على تآكل قبضتها على السلطة، بعد خسارة فولكر كاودر، المقرب منها، زعامة أكبر كتلة في البرلمان الألماني لصالح شخص لم يكن معروفًا على المستوى الشعبي.
أردوغان تركيا
بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فمثّل العام الجاري أهمية كبيرة في طريق سيطرته على السلطة ومد نفوذ بلاده، فتمكن من التوغل في سوريا والعراق بزعم محاربة الأكراد المحظورين ببلاده، وأصبح من القوى الفاعلة في الأزمة السورية وله سيطرة شبه تامة على مدينة منبج، وكذلك بدأ يفرض سيطرته على كردستان العراق، وأسس شراكة قوية مع قطر فبات حليفًا عسكريًا واستراتيجيًا لها.
العقوبات الأمريكية التي فرضت على مسئولي العدل والداخلية بتركيا، كانت أبرز ما عكّر صفو أردوغان خلال العام الجاري، فتسبب ذلك في انهيار الليرة التركية وتدهور الاقتصاد بشكل كبير، إلا أنها سريعا ما تم رفعها بعد رضوخه لترامب وإعلانه العفو عن القس الأمريكي، ولا يزال الاقتصاد التركي مترنحا، ولم يستعد قوته حتى الآن، خاصة في ظل سياسة أردوغان المتشددة والتي سببت خوفا للمستثمرين بسبب ديكاتوريته المطلقة.
بشار في سوريا
الرئيس السوري بشار الأسد، لا يزال يواجه خطرًا، وذلك مع إصرار بعض الأطراف على رفض بقائه بالمشهد السياسي، ويتزعم ذلك واشنطن والتي تدعى الاقتراب من القضاء على تنظيم داعش بها، في حين تصر إيران وسوريا على دعمه، سياسيًا وعسكريًا.
وعلى صعيد آخر، يسعى الأسد لتولي أمور بلاده بشكل طبيعي، فأصدر منذ فترة عفوًا عاما عن كل الجنود الفارين من الجيش على أن يعودوا في مدة أقصاها 6 شهور، وأكد أن الدستور ملك للشعب وليس لأحد التدخل فيه.
عام الاستقالات
لم يستطع وزير الخارجية الأمريكي السابق ريسكس تيلرسون، الذي تم تعيينه في 2017، أن يحقق الكثير في مسيرته الدبلوماسية خاصة بعد أن تمت الإطاحة به سريعًا من إدارة ترامب.
ولحق بتيلرسون مستشار الأمن القومي لترامب، هربرت ماكماستر، والذي أقاله ترامب عبر تويتر أيضا في مارس الماضي، وأعلن استبداله بجون بولتون، ومؤخرا جاءت المبعوثة الأمريكية للأمم المتحدة والمعروفة بتبعيتها لترامب، ودعم مواقفه بشدة خاصة فيما يتعلق بإسرائيل وإيران، وشهدت فترتها نقل السفارة الأمريكية للقدس والخروج من الاتفاق النووي واتهام إيران المتكرر بمد الحوثيين بالأسلحة، وأعلن ترامب الشهر الماضي أنها ستغادر منصبها مع نهاية العام الحالي.