«مرتضى أنيس» آخر مصممي الأفيشات اليدوية.. نصف قرن من الإبداع (فيديو)
على مدى نصف قرن من العمل المتواصل، صمم الفنان التشكيلي مرتضى أنيس، آخر من تبقوا من مصممي «أفيشات الأفلام السينمائية» يدويا، باستخدام الريشة والألوان الزيتية، أكثر من 500 أفيش تحمل لمساته الإبداعية.
العشرات من هذه الأعمال، احتضنها ركن صغير في عقار قديم بمحافظة الإسكندرية، وجد فيه الفنان العظيم ضالته وحياته الحقيقية حاليا.
في أتيليه صديق عمره الرسام التشكيلي «عادل»، لازالت لوحاته باقية هناك يذهب إليها بين الحين والآخر، يقف وسطها يتأمل كيف مر خمسون عاما دون أن يشعر، بينما بقي رصيده الفني يكبر يوما بعد آخر، ليحتل موقع «أفضل مصمم أفيشات مصري بلا منازع».
وهو في عمر الـ14 عاما، رافق «مرتضى» والده الذي كان مصنفا ضمن أكبر الفنانين التشكيليين في زمنه، في رحلة قصيرة إلى منطقة الأهرامات: «والدي كان فنان كبير وأنا صغير خدني معاه كان فيه فيلم اسمه كليوباترا، وكان هو بيرسم العربيات الحربية في الفيلم، وأنا بقعد أتفرج عليه وهو بيرسم في اللحظة دي قررت أكون رسام، ولما كانت تيجي لنا ضيفة كنت أبصلها وأرسمها، وأي وجه أشوفه مهما كانت تفاصيله بتتولد عندي رغبة إني أرسمه».
في حي الظاهر بالقاهرة، حيث كان يقطن مرتضى أنيس مع عائلته، حالفه الحظ بوجود عدد لا بأس به من دور السينما بالقرب من المنزل: «كنت بروح السينما وأنا صغير، كانت أول وأكتر حاجة بتشدني الأفيش الخاص بالفيلم، وكنت بتخيل إني أنا اللي كان ممكن أرسمه وبحط لمساتي الخاصة عليه، حلمت وقتها أكون أحسن رسام أفيشات.. اشتغلت صحفي وعملت معارض فنية، لكن الأفيش في دمي».
بدايات العمل
بداية عمله كانت في معرض للخطاط يدعى «محمد القليوبي» في شارع عبد الخالق ثروت بوسط القاهرة، نظير 30 جنيه شهريا: «كان وقتها مبلغ كبير وله قيمته، كنا في سنة 1965».
ما زال مرتضى يتذكر أول مشروع إعلاني دأب على تصميمه في معرض «القليوبي»، حين كلفه معلمه الأول ومكتشفه بتصميم إعلان عن صابون استحمام: «كنت قاعد برسم بنت لابسة الباشكير، فإذا بشخص يدعى عبد العزيز وعرفت إنه كان أكبر مصمم أفيشات مصري في الوقت ده، قالي أنا عايزك معايا، انتقلت بالفعل للعمل معه، وأخذت نصف المبلغ اللي كنت بحصل عليه من القليوبي، لكن اكتفيت إني أتعلم منه ومسكت المكتب نحو عشر سنوات، كان بييجي يزورنا يحيى شاهين ورمسيس نجيب وغيرهما، ومن هنا توطدت علاقتي بعالم السينما».
بعد وفاة داعمه الأول في مسيرته الفنية، أستاذه عبد العزيز، لجأ أنيس للعمل مستقلا عن المكتب الذي ترأسه لسنوات متتالية، اختلط وتوغل في عالم السينما بشكل أعمق، أول أفيش سينمائي صممه حمل اسم فيلم «الشباك» للفنانة سهير رمزي: «بعدها زرتها في منزل الزوجية بتاعها مع محمود قابيل، وأبدت إعجابها بالأفيش، وقررت تخليني أصمم لها أفيش فيلم الرحمة يا ناس».
صمم أنيس بعد ذلك عددا من أفيشات الأفلام منها «رجب فوق صفيح ساخن»، الذي أعجبت به نجمة الجماهير نادية الجندي: «كلمتني نادية عشان أصمم لها أفيشات أفلامها، ومن وقتها أخدت كل أفلامها، على مدار مسيرتها الفنية».
الميهي ووحيد حامد.. علامات فارقة في مسيرته
حين يعرج الحديث ناحية المخرج الكبير رأفت الميهي أو السيناريست وحيد حامد، يتهلل وجه مرتضى ويكشف عن ابتسامة رائقة: «فترة أفلام الميهي ووحيد حامد بالنسبة لي هي أنعش فترة في حياتي، دول كان ليهم فكر مختلف وآراء غير سائدة، يعني أفلامهم فانتازيا محتاجة الروح دي، كنت أجد الاختلاف في العمل معهما والخروج عن المألوف، صممت للميهي أفلام كتير منها الأفوكاتو والسادة الرجال وغيرهما».
يتذكر «أنيس» أنه في تلك الفترة حينما كان المخرج يعرض عليه تصميم أفيش لفيلمه الجديد، فيحضر له نسخة عمل من السيناريو الذي يشاهده الموزعون، من خلالها يتعرف على سير القصة منذ البداية حتى نهايتها، ومن هذه النقطة ينطلق في تحديد مكونات الأفيش وما سيكون عليه: «أفتكر إن أكتر الأفيشات إرهاقا ليا كانت الخاصة بأفلام نادية الجندي لأنها كانت بتطلب تغييرها أكثر من مرة».
«الجمهور لابد أن يشم رائحة الفيلم وهو يشاهد الأفيش الخاص به»، دائما ما يردد «مرتضى» هذه العبارة في أكثر من مناسبة، فالأفيش، كما يراه، الانطباع الأول الذي يكونه الجمهور عن الفيلم الذي سيشرع في مشاهدته أو سيقلع عن ذلك، وفقا لتصميم الأفيش: «زمان كان الجمهور عنده الحاسة الفنية للأفيش ودي بدأت تنعدم في الفترة الأخيرة.. الأفيش بالنسبة للفيلم هو نمرة واحد لأنه أول حاجة بتتشاف ويخليني أقرر هدخل الفيلم أو لأ».
يرى الفنان التشكيلي أن أفيشات الأفلام الحالية هبطت بالسينما إلى القاع: «أنا لما بشوف الأفيشات الحالية بزعل جدا بتنكد وأرجع بيتي تاني، كل ده كلام فارغ، وبرجع بالزمن بتاعي وبقول لنفسي الله يرحمك يا سينما».