رئيس التحرير
عصام كامل

فتنة التجديد وفتنة التجديف


لم يكن حديث الرئيس السيسي في الاحتفال بالمولد النبي الشريف، قبل يومين، عن انفصال أخلاقنا عن صحيح ديننا، هو أول نداء بضرورة تطابق الفعل مع العقيدة.. ولم تكن دعوته إلى تجديد الخطاب الديني أبدا دعوة إلى نبذ السنة المحمدية، ولا يجوز أن يفهم أي عاقل أن هذا ما رمى إليه الرئيس من رغبة في التجديد.


وفي السياق ذاته، فإن كلمة شيخ الأزهر تناولت بعمق وتفصيل هجمات المتكئين على الأرائك على السنة كما حدث بهم رسولنا الكريم قبل ١٤٠٠ عام، ووجوب تركها والاحتكام إلى القرآن فقط في التحليل وفي التحريم.

في كلمتي الرئيس والإمام، كان المتحدثان رجلين مسلمين، أولهما رجل دولة يهمه حفظها وتطورها ورفع شأنها، مع الحفاظ على حيويتها وهويتها الدينية، والثاني رجل دين يمثل الأزهر الشريف قلعة وطنية ودينية حفظت البلاد والعقيدة قرونا بعد قرون في مواجهات الغزوات العسكرية والدينية والإلحادية.

لا تناقض بالمرة بين هدف الرجلين المسلمين، والحق أنه يجب ألا ينزلق البعض إلى قياس خاطئ، عن سلطة زمنية وسلطة دينية، فلسنا في القرن السادس عشر، ولسنا في روما ولندن، إنما نحن في القرن الواحد والعشرين، والرئيس والإمام معا يوقنان أن حسابهما عند الله، يحكم ويقضي، وهذا ما قاله الرئيس السيسي بنفسه.

فيم إذن حرائق المتورطين والمشككين والمفسرين والمحللين والمحزوقين؟

لا الأزهر ضد تجديد الخطاب الديني، ولا الدولة تريد فصل السنة عن القرآن أو تشجيع المرتابين في وجوب الأخذ بها مصدرا من مصادر التحليل والتحريم في حياة المصريين المسلمين.

بالقطع، لا يوجد مسلم حقيقي ناهيك عن رئيس الدولة وهو متدين غيور على دينه، يمكن أن يقصد أن التجديد هو التخلص من الأحاديث النبوية كما جاءت في المرويات في كتب التراث.

الرئيس تجاوز هذه النقطة الملتهبة، وأخذ القضية إلى ما هو أبعد، إن صورة المسلم في العالم كريهة ومنفرة وإرهابية وتصرفاته ضد دينه، بينما دينه هو الأخلاق والتسامح والدقة والتفاني والوطنية، كثيرون مسلمون يناقضون صحيح الدين، منهم من يصلي ويكذب، ويزني ولا يتقن العمل ولا يرعى حرمة غيره، ولا يحترم المغاير له.

التجديد ليس فقط ترك ما لا يصلح لزماننا من أفكار عاشت لعصرها وماتت بقدوم عصرنا، بل التجديد الحق هو الأصولية الحقة، الأصولية صارت كلمة سيئ السمعة في الغرب: Fundamentalism. الكلمة تعني الإسلام الصحيح وليس الأصولية المتزمتة، التجديد هو مطابقة السلوك لصحيح العقيدة.

هذا هو المطلوب، لو كانت أخلاقنا هي القرآن كما كان الرسول لقدمنا للعالم حضارة نفخر بها بدلا من تسولنا المزري المُهين على موائد التطور الغربي المذهل، نعم نحن مستهلكون متبجحون لنتاج عقول وقلوب غربية وشرقية طابقت أخلاقها أديانها، سماوية كانت أو وضعية، إن في العالم أناسا بلا دين سماوي أخلاقهم سماوية!

سكان الحواري من أشباه المثقفين المصريين الملمين ببعض القراءات والمحسوبين على الدين، والمتنطعين في كتب التراث، يغمسون مصارينهم في عميق الدين ويخرجون على الناس بترهات، وبسخام، ووقاحة على الأزهر وعلى الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب.

هذه فتنة لا تزال في مهدها، يقودها متطفلون، متبجحون، مستشهرون.. يجرجرون الدولة إلى معركة ليست هي قطعا طرفا فيها، ليس عندنا شيعة ولا سنة، غير أن هؤلاء المارقين يريدون إشعال خصومة وتناحر بين مجددين ومجمدين!
فتنة التجديد ستفضي، لو أهملنا معالجتها سريعا إلى فتنة التجديف! التجديد الحقيقي هو العودة إلى الإسلام الحقيقي: كتاب الله وسنة رسوله الكريم.

الجريدة الرسمية