رئيس التحرير
عصام كامل

الكوليرا تقضي على الآلاف من أهل اليمن بسبب المياه الملوثة.. 3 مصادر ليست آمنة للشرب.. دمار شبكات الصرف الصحي.. أوان غير صحية.. واليونيسيف: الدولة اليمنية تعاني من فقر مائي وتفاقمت الأزمة بسبب الحرب

فيتو

تفاقمت معاناة اليمنيين من نقص مياه الشرب وتدفعهم لاستخدام مياه الأمطار الملوثة بالجراثيم وبقايا التربة، ولم تفلح جهود منظمات دولية وأخرى فاعلة للخير حتى الآن في الحد من هذه المشكلة التي تسبب الكوليرا وأمراض أخرى.

مياه ملوثة
وبواسطة عبوات بلاستيكية مستخدمة في الأصل للزيوت تجلب اليمنية أفراح معتز ووالدتها دولة، الماء من إحدى بِرَك المياه المعبأة من مياه الأمطار، غير أن هذه المياه التي تستخدم لتغطية الاحتياجات الأساسية للعائلة تفتقد للمعايير الصحية، وهذا هو حال ما يزيد عن نصف اليمنيين الذين لا يحصلون على مياه نظيفة، الأمر الذي تفاقم في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد منذ سنوات ويشكل الاعتماد على برك مياه الأمطار التي تأخذ منها أسرة أفراح وأسر كثيرة أخرى حاجتها مغامرة تهدد الصحة، ففي أسفل هذه البرك يمكن ملاحظة التربة المتراكمة والجراثيم الميتة.

تستهلك أسرة أفراح، المؤلفة من أم (أرملة) وستة أبناء (أربع إناث وطفلان)، وتسكن في قرية "النجد"، بمحافظة إب جنوب غرب البلاد، ما بين 50 و100 لتر يوميًا، تغطي احتياجات المنزل المختلفة بما فيها الطبخ والشرب، وتقول أفراح إن توفير المياه بصورة يومية بالجالونات (التي تحملها النساء على رؤوسهن بالغالب)، هو الهم الأساسي للأسرة التي لا تستطيع الاهتمام بنقاء الماء ومدى صلاحيته للشرب، بقدر اهتمامها بأنه أنه ليس ملوثًا إلى الدرجة التي تمنع تناوله.

مصادر أخرى
وفي قرية أفراح ذاتها، تعتمد الأسر على ثلاثة أنواع من مصادر المياه جميعها ليست آمنة تمامًا للشرب، أولها الخزانات الأرضية، التي تجمع من مياه الأمطار، إلى جانب الماء الذي توفره مؤسسة المياه الحكومية (يأتي في الغالب مرة في الأسبوع أو كل أسبوعين)، بالإضافة إلى الماء الذي يتم جلبه من إحدى العيون الواقعة أسفل منطقة جبلية بعيدة نسبيًا عن القرية، ويبدو أقل تلوثًا، بنظر السكان، وتلجأ بعض الأسر، حسب إمكانياتها، لشراء فلاتر منزلية أو شراء مياه توفرها محطات التنقية والتحلية التي لم يتم تجهيزها بمعدات حديثة.

الكوليرا وتلوث المياه
وتزداد مخاطر المياه الملوثة، في ظل انتشار الأوبئة، ومنها الكوليرا التي انتشرت في أغلب المدن اليمنية وتسببت بوفاة وإصابة الآلاف خلال العامين الأخيرين، وعلى سبيل المثال، سجل المركز الصحي في مديرية "ملحان"، بمحافظة حجة خلال الأسبوع الأخير من أكتوبر الماضي 50 حالة اشتباه بالكوليرا في قرية واحدة.

وأكد مسئول بالصحة أن تلوث مياه الشرب بالإضافة إلى الصرف الصحي شبه المعدوم، على رأس الأسباب وراء مأساة انتشار الوباء.

خزانات للمساعدة
وفي المدينة كما في الريف، تعاني أغلب الأسر بنسب متفاوتة، من تحديات توفير الماء النظيف، خصوصًا في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد منذ سنوات، وفقد معها الملايين من اليمنيين مصادر دخلهم، وفي الغالب فإن مياه الاستخدام الأساسي للمنازل من شبكة المياه والصرف الصحي الحكومي أو الشاحنات التجارية ليست صالحة للشرب على النحو الآمن، ويضطر بعض السكان لجلبها من خزانات عامة تنفق عليها بعض المؤسسات أو الأشخاص ميسوري الدخل.

الطفلة ابتسام (7 سنوات) تقف على أحد جانبي الرصيف في مدخل حيها السكني بالعاصمة صنعاء، بانتظار وصول شاحنة الماء التي تزود خزان الماء (الخيري)، بالماء النقي، لمساعدة السكان بتعبئة أوانيهم البلاستيكية، جالونات تتسع ما بين 5 إلى 20 لترًا، لتقوم بتعبئتها على أن تأتي والدتها في وقتٍ لاحقٍ لحملها إلى المنزل.

وفي الغالب، يبدو مظهر الأواني أو العبوات المخصصة لجلب المياه، بحالة غير صحية، لكنها الطريقة الوحيدة التي وجدت أسرة ابتسام، نفسها مجبرة، على توفير الماء من خلالها. ويقول خالد الروسي، أحد سكان الحي نفسه، إن شاحنة الماء تأتي كل 48 ساعة لتعبئة الخزان الذي يتسع لنحو 8 آلاف لتر، ويعتقد أن الماء الموزّع لهم بدعمٍ من "فاعل خير" معالجٌ بمادة الكلور، على نحو يجعله صالحًا للشرب والطبخ.

فلاتر ومحطات تنقية
يوسف حمود يملك متجرًا للمواد الغذائية في ريف صنعاء، اشترى يوسف فلترًا منزليًا من أحد محال البناء بمبلغ 10 آلاف ريـال يمني - ما يقرب من 20 دولارًا، بوصفه أحد الأشخاص الذين يعتبرون المياه الملوثة خطرًا على صحة الفرد والأسرة، وتختلف الفلاتر أو أجهزة التقنية التي تستخدمها بعض الأسر، حسب قدرات واهتمام كل أسرة.

يقول يوسف: إن الفلتر المنزلي الذي وفره لم يصمد فترة طويلة ويحتاج لتغييره، بين فترة وأخرى، لكنه فضل، أخيرًا، توفير ماء الشرب بشراء 40 لترًا أسبوعيًا من أقرب محطة تحلية وتقنية للمياه بسعر ما يقرب من دولار واحد (600 ريـال يمني)، ويقوم بجلبها في جالونين يتسع كل واحد منهما لـ 20 لترًا على متن دراجة نارية.

اليونيسيف وسط الأزمة
وفقًا لتقدير منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف فإن نحو 16 مليون يمني (أكثر من نصف السكان)، لا يحصلون على المياه النظيفة، ويوضح مكتب المنظمة بصنعاء، أن اليمن يعاني من محدودية الوصول إلى المياه حتى قبل الأزمة التي تعيشها البلاد منذ ما يقرب من 4 سنوات، إذ أن وصول السكان إلى المياه النظيفة بلغ 51%، وهي النسبة التي انخفضت في ظل الظروف التي تمر بها البلاد.

وتكشف اليونيسف عن قيامها بالعديد من الخطوات لتحسين نظام المياه والصرف الصحي في اليمن من خلال إجراءات تشمل توفير الوقود لمضخات المياه للاستمرار في عملها، إذ تقدم المنظمة 3.2 مليون لتر من الوقود شهريًا في أكثر من 15 مدينة، بالإضافة إلى دعم إصلاح الأضرار في شبكات المياه وإعادة تأهيل الخزانات الرئيسية.

كما تعد اﻟﻜﻠﻮرة اﻟﻤﺎﺋﻴﺔ من أبرز وسائل اليونيسف لضمان وصول المياه النظيفة للسكان في اليمن وقدمت حوافز معينة لبعض العاملين في مرافق المياه والصرف الصحي لضمان استمرار عملهم.

فقر المياه
ويؤكد وزير المياه اليمني الأسبق، عبدالسلام رزاز، أن اليمن من أكثر بلدان العالم فقرا في المياه، ومعدل نصيب الفرد السنوي يعتبر الأقل عالميا، حيث لا يتعدى 130 متر مكعب في السنة، مضيفا: "في ظل الحرب زادت أزمة المياه في المدن أكثر من أي وقت مضى بسبب ضعف الدولة وغياب مؤسساتها".

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية