محمود عوض يكتب: فيروز عندما احترمت نفسها
في جريدة الأخبار عام 1980 كتب الصحفى محمود عوض مقالا عن مطربة لبنان فيروز قال فيه: "الفن هو في جوهره اختيار، والاختيار موقف، ونحن لا نستطيع أن نعطى قيمة لفنان إلا إذا عرفت أولا ما هي مواقفه".
وأضاف: "الحياة سوف تسير دائما سواء تصرفنا فيها كجبناء أو كأبطال ولكن الأبطال وحدهم هم الذين يتركون بصمات في حياة شعوبهم، وفى مصر نعانى في حياتنا العامة من أمراض كثيرة ليس الفن استثناء منها، أن في مصر فنانين ولكن ليس في مصر فن، وفى مصر مثقفون ولكن ليس في مصر ثقافة وفى مصر أدباء وليس في مصر أدب، وفى مصر مطربون لكن ليس في مصر غناء".
وتابع: "المرض طويل والتاريخ قديم والأسباب عديدة والشفاء قادم حتما، ومع ذلك فإن هذه الحتمية ليست منفصلة عن إرادتنا كجهود، واللحن لن يكتمل أبدا بهذا العزف الانفرادي الذي نمارسه في حياتنا العامة.. ففى كل المجتمعات العظيمة تولد الأجيال من بعضها البعض ولكن في مصر تأكل بعضها البعض هنا فقط يلتهم السمك الكبير السمك الصغير".
واستطرد: "لماذا وكيف ومتى كلها أسئلة مثارة وواردة وتحتاج إلى إجابات كثيرة غير مؤكدة، لكن المؤكد في الموضوع كله أن الحفل الذي أقامته المطربة اللبنانية فيروز بألحان الأخوين رحبانى وإذاعة التليفزيون كان مناسبة للتفكير في هذا كله، وفيروز كفنانة تلقت الترحيب والاحترام لأنها الأول بادرت باحترام نفسها، وهو الدرس الذي جاء كاكتشاف ما كصفعة عنيفة لكل فنانينا كبارا وصغارا".
وواصل "عوض" في مقاله قائلا: "الجمهور الذي حضر حفلاتها لم يكن جمهورا مصنوعا من الخارج ولا مستوردا من المريخ، لكنه هو نفس الجمهور الذي نراه دائما في حفلات التليفزيون الخارجية شكل آخر يجعله أقرب إلى جماهير الكباريهات، إن السر هنا بسيط فهو الاحترام، لقد بدأنا هنا بفنانة تحترم نفسها فضبط الجمهور موجته على احترامها.. لا صيحات، لا صفير ولا هتافات ولا دخول في قافية ولا كراسى تطير ولا مذيعات تثرثرن كالببغاوات بكلمات تافهة تحول الحفل إلى دعاية رخيصة".
وأردف: "الجمهور واحد لكن النتيجة مختلفة، لأن أسلوب الفنان نفسه كان مختلفا، لقد ولدنا داخل غابة خانقة اسمها الغناء الفردى الذي يفسد ذوق الجمهور ويشد الفن إلى الوراء".
واختتم مقاله قائلا: "غناء فيروز هو الآخر فرديا لكنه في إطار جماعى، ولقد قيل دائما إن كل شعب يستحق فنانيه، ولكنى لا أعتقد أن هذا صحيح، إن الصحيح هو أن شعب مصر يستحق بالتأكيد فنانين أكبر من هؤلاء.. أكبر بكثير".