رئيس التحرير
عصام كامل

عندما تؤجج مواقع التواصل الاجتماعي العنف بين الناس

فيتو

منشور واحد على صفحة فيس بوك قد يكون مفعوله بمثابة مدفع رشاش يتسبب في قتل وجرح العشرات بين الناس في عدة دول. فكيف تتحكم شركات التواصل الاجتماعي في المحتوى المنشور على صفحاتها بما لا يتسبب في أضرار لها وللمستخدمين.

على الرغم من أن الغرض من منصات التواصل الاجتماعي كان سرعة دمج وتواصل الناس فيما بينهم إلكترونيا، إلا أن بعض موادها أضحت مؤخرا تمثل تهديدا بسبب سوء استخدامها من خلال بث الكراهية والعنف، وهو ما يراه المتخصصون تحديا يتعارض مع الأهداف الربحية لشركات مثل يوتيوب وفيس بوك.

وكان قد دق ناقوس خطر مبكرا حول سلبيات استخدام مواقع التواصل الاجتماعي عام2014 في مدينة مندلاي، الواقعة وسط ميانمار، عندما توجهت سيدة بوذية إلى قسم شرطة محلية للإبلاغ عن واقعة اعتداء عليها جنسيا من قبل زميليها المسلمين، وقام على إثرها أحد الرهبان البوذيين بنشر تفاصيل البلاغ على فيس بوك، متسببا في خلق حالة من الغضب أسفرت عن تصاعد وتيرة عنف استمرت ليومين بين الأغلبية البوذية والأقلية المسلمة.

واستعادت السلطات المحلية السيطرة على الوضع في المدينة بعد إغلاق موقع فيس بوك بشكل مؤقت، ولكن بعد أن أسفرت عن مقتل شخصين وإصابة 19 آخرين.

بيد أنه اتضح بعد ذلك أن القصة التي تسببت في هذه الموجة من العنف كانت محض افتراء. وتم على إثرها إدانة خمس أشخاص بتهمة بث أخبار كاذبة، بمن فيهم السيدة التي ادعت بأنها ضحية واعترفت بعدها بأنها كانت مأجورة لتقوم بتحرير واقعة الاغتصاب المزعومة لدى الشرطة في بلد فر منه نحو 700 ألف من المسلمين الروهنجيا منذ العام الماضي.

وفي مطلع الأسبوع الحالي، أظهر تقرير مستقل صادر عن منظمة BRS (العمل من أجل المسئولية الاجتماعية) بعنوان "تقييم أثر حقوق الإنسان: فيس بوك في ميانمار" أن هناك أقلية من المجتمع تستغل وسائل التواصل الاجتماعي في "التحريض على العنف." وركزت الدراسة على الأجواء السياسية في ميانمار كجزء من المشكلة الحالية.

المعلومات المغلوطة والعنف
ولم تقتصر إثارة العنف ونشر المعلومات المغلوطة على الدول حديثة استخدام الإنترنت فحسب، بل تم رصدها في دول أخرى منها سريلانكا وإندونيسيا والهند والمكسيك والولايات المتحدة الأمريكية، فضلا عن ألمانيا.

وفي بداية العام الحالي، أصدر باحثان في جامعة وارويك البريطانية دراسة بعنوان "التحريض على الكراهية: التواصل الاجتماعي وجرائم الكراهية"، حيث قاما بدراسة كل الهجمات التي استهدفت اللاجئين في الفترة بين 2015 و2017.

وخلص التقرير إلى أن الهجمات التي استهدفت اللاجئين تحدث بكثرة في الأماكن التي يتزايد فيها استخدام فيس بوك وفي الأوقات التي كان ينشر فيها اليمين المتطرف أو "حزب البديل من أجل ألمانيا" منشورات ضد اللاجئين على صفحاته بموقع فيس بوك.

ثقافة الكراهية
ويرى باهراث جانيش الباحث بمعهد اسكفورد للإنترنت أن تشويه الواقع يكون وسط المجموعات المتطرفة على شبكات الإنترنت، قائلا "الشبكات والأماكن التي تنشأ على الإنترنت تهدف إلى خلق ثقافة تقبل الكراهية والتشهير والتحقير من الآخرين... فإذا اعتد بهذا النوع من اللغة، فقد يخلق مناخا يمكن أن تصبح فيه الكراهية والعنف أمرا مشروعا."

وفي مدينة كيمنتس الواقعة شرقي ألمانيا بولاية ساكسونيا، أسفرت الأخبار الكاذبة على تويتر وفيس بوك عن حشد أكثر من 6 آلاف متظاهر من اليمين المتطرف في أغسطس الماضي. وقبل عام من هذا التاريخ كان المتظاهرون من اليمين المتطرف ينادون بشعارات تتحدث عن نظريات المؤامرة يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويعتقد الباحثون أن نظام إدارة شركات التواصل الاجتماعي يمكن أن تساهم في نشر نظريات المؤامرة ووجهات النظر المتطرفة. فعلى سبيل المثال تستخدم فيس بوك ويوتيوب نظام اللوغاريتمات وهو نظام خوارزمي يعمل على تخمين نوعية المنشورات لدى أي مستخدم بناءً على المعلومات المتاحة عن هذا الشخص على حسابه الشخصي.

فتشير ليندا شليجيل، مستشارة في قضايا مكافحة الإرهاب لدى مؤسسة كونراد اديناور الألمانية، إلى أن هذه الفقاعات والتي تسمى أيضا "بفقاعات المرشح" يمكن أن تخلق "إرهابيين إليكترونيين" وتابعت في حوار مع DW و"تعمل هذه الفقاعات على نشر التطرف، إذا كانت تحتوي على اتجاهات متطرفة ومفاهيم معينة يتم التعامل بها بشكل متكرر على أنها حقيقة".

أما جيوليومي شاسلوت الذي عمل منهدسا في نظام اللوغاريتمات لموقع يوتيوب طيلة ثلاث سنوات فيعتقد أن فقاعات المرشح لديها تأثير سلبي على الخطاب العام. وفي 2016، أنشأ شاسلوت موقع "Algotransparency" الذي يعمل على تحليل وتبسيط نظام اللوغاريتمات في يوتيوب لمعرفة أي أنواع الفيديوهات التي تنتشر بسرعة عن غيرها.

تبسيط فهم لوغاريتمات اليوتيوب
وأضاف شاسلوت لـDW أنه بالرغم من أن يوتيوب أدخل العديد من التغييرات إلا أنها لم تكن كافية، قائلا "لم يستطيعوا حل المشكلة وهو أن اللوغاريتمات كانت قد صممت في الأساس لزيادة وقت المشاهدة" على قنوات يوتيوب لدر عائدات أعلى من الإعلانات؛ "فالفيديوهات التي تجعل المشاهد يمكث فترات أطول عادة ما تكون خلافية أو مثيرة للجدل".

وببساطة، يقوم نظام لوغاريتمات بتزكية فيديو معين إذا رأى أنه قد يحقق نسبة مشاهدة عالية، وهو ما يعني مشاهدة إعلانات أكثر على الفيديو وبالتالي يحقق إيرادات أعلى.

فعلى سبيل المثال، بعد حادث إطلاق النار داخل كنيس بيتسبيرغ في أمريكا الشهر الماضي، لاقى فيديو يظهر مؤيدا لنظريات المؤمرة يُدعى دافيد ايكه باتهام ملياردير يهودي بـ"استغلال الأحداث السياسية بالعالم"، أكثر من ألف مشاهدة بعد أن بدأ اللوغاريتمات بتزكيته للمشاهدين، حسبما ذكر شاسلوت.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية