رئيس التحرير
عصام كامل

«العروسة والحصان».. حلاوة المولد في طنطا بنكهة زمان (فيديو)

فيتو

دقائق قليلة يقطعها المار من داخل شارع "أبو مندور" في مدينة طنطا بمحافظة الغريبة، يصادف الرائحة التي لا تخطئها أنف، أجواء تتهيأ لاستقبال المولد النبوي الشريف، العمل قائم على قدم وساق في مصانع الحلوى بصنوفها المختلفة، ما بين السمسمية والجوزية والفولية. لكن ثمة ركن آخر يتوسط أحد الشوارع المتفرعة من أبي مندور، يتفرد برائحته الخاصة، وذرات السكر المتناثرة هنا وهناك، حيث تقع ورشة "أولاد الحاج يحيى" لصناعة عروس المولد "الحلاوة بالمياه والسكر.

قبل أن تحل الأيام الأولى من شهر ربيع الأول بأسبوع أو أكثر، يستعد "عبد القادر" 39 عاما الابن الأكبر ليحيى الذي ورث صناعة عروسةالمولد والحصان من والده، الذي كان بدوره يعمل في صناعة قوالب الحلوى من الخشب والنحاس وغيرهما من الأدوات، بل ويصدرها إلى الدول العربية المجاورة وكافة مصانع الحلوى في مصر، لتصبح الحرفة ضاربة بجذورها لأكثر من 100 عام يتوارثها الأبناء من تلقاء أنفسهم كلما شب عودهم وأصبحوا قادرين على الوقوف بين العمال أمام أحواض السكر المنصهر.

"والدي هو الشخص اللي غالبا عملي كل حاجة في المهنة دي أنا أكبر اخواتي، من وأنا عيل صغير وأنا موجود معاه، وكان معتمد عليا في كل خطوات الشغل دي، هو خلى الشغل بالنسبالي حياة، ده الكيان بتاعنا، من وأنا طفل صغير كنت موجود في الشغل"، بشغف المحب يتحدث عبد القادر عن مهنته التي آثر أن يحافظ عليها بعد وفاة والده.
 

حتى أنه ترك العمل كمدرس بإحدى المدارس الحكومية بالقاهرة لأجلها، بات التحضير والاستعداد لاستقبال المولد النبوي هو مسألة وجود بالنسبة إليه، "الشغل ده اللي بيميزه عن غيره إنه عائلي أكثر من أي شغل آخر كل اللي بيشتغل عليه من أفراد العيلة، العيل بيطلع بيشوف الكلام ده وغصب عنه بيكون عنده الغريزة والدافع إنه يشتغلها ويتولى مسئوليتها بعد كدة".


مراحل صناعة العروسة والحصان

منذ نحو عشرين يوما بدأت سيارات النقل المحملة بأجولة السكر المطحون تحط أمام مدخل المصنع والورشة الخاصين بعبد القادر وإخوته، الجميع يتدافع من أجل إدخال الكميات المطلوبة إلى المصنع وسكبها في الحوض الكبير الممتلئ عن آخره بالمياه الساخنة، يحدد عبد القادر الكمية التي سيتم إنتاجها على مدار اليوم.

يقول عبد القادر " أول مرحلة بتكون وضع القالب في المياه الساخنة، وبعدين كمية السكر تتحط في المياه بحوض آخر وتوضع في درجة حرارة معينة حتى يذوب السكر تماما ويحصل على نكهته الخاصة، وبيتحدد شكلها من خلال العروسة والحصان. لكن بما إننا بنحاول نحافظ عليها ونطورها ولأنها مرتبطة بالأطفال، بدأت أدخل أشكال جديدة خاصة بالطفل لأني أنا اللي بصنع القالب زي تويتي وكرومبو وبطوط وغيرهم".

بعد تماسك قطعة الحلوى وتأخذ الشكل المطلوب، ينتهي دور الإخوة والصنايعية داخل الورشة، ينادي صوت جهوري على أمل، المسئولة عن نقل قطع الحلوى من الأسفل للشقة الكائنة بالطابق الأول، حيث تجلس نسوة إخوته وزوجته تزين العرائس والأحصنة بطبقات من الورق الملون، " بعد ما الحلاوة تطلع بتقعد فترة تبرد، وبعدين والدتي وزوجات إخواتي هما اللي بيزوقوا العروسة بعد ما تتماسك وتبرد درجة حرارتها".
عشرات المصانع والورش باتت تسير على خطى ورشة أولاد يحيى، فبعد أن كان هو من أوائل صانعي العروسة الحلاوة وقوالب صناعتها أصبح الكثيرون من أبناء مدينة طنطا ينتهجون النهج ذاته، كانت كلمة السر في حلوى أولاد يحيى كما تراءت لعبد القادر: " إحنا بنعمل الشغل يمكن ناس كتير زينا شغالة فيها لكن مش هيكون بنفس طريقتنا لأن من حب والدي للشغلانة زرع حبها في قلبي زي المدرس ما بيعلم الطالب، بقينا نشتغلها بحب وإتقان وكل حد من إخواتي له دور فيها، أنا المشرف الإداري والمعني بالحسابات، والأخين الأصغر بيكونوا جوة المصنع ومسئولين عن التوزيع".

ينتهي موسم المولد النبوي وتنفد الكمية المحددة، والتي يتفاوت عددها من سنة لأخرى، فحين يقبل المواطنون على العروسة الحلاوة ويترك البلاستيكية فيزيد حجم الإنتاج لدى عبد القادر، وحين آخر يصبح حجم الإنتاج محدودا للغاية.
 

"مقدرش أحدد إحنا بننتج قد إيه كل سنة لأنه بيتوقف على إقبال الناس عليها، هما مؤخرا وخاصة الأطفال اتعلقوا بالعروسة والحصان الحلاوة أكثر". يعود عبد القادر إلى عمله الأقرب إلى قلبه وأساس حرفة الجد والأب وهي صناعة قوالب الحلوى، "بشتغل طول السنة على صناعة القوالب ودي بتاخد وقت في صناعتها وأنا غالبا بنتج لكل مصانع الحلوى في مصر فده بيشغل كل وقتي على مدار العام".

الجريدة الرسمية