رئيس التحرير
عصام كامل

«صفقة الفيديوهات الغامضة».. أسرار شراء 7 آلاف فيديو تعليمي بعيدا عن أعين الرقابة.. الوزارة تعاقدت عليها في الخفاء وتساؤلات حول محتواها.. طارق شوقي مطالب بالكشف عن قيمة الصفقة وكيف يتم مراجعة

طارق شوقي وزير التربية
طارق شوقي وزير التربية والتعليم

قبل أيام أعلنت وزارة التربية والتعليم الفني أنها تعاقدت مع إحدى الشركات العاملة في مجال التعليم الرقمي على شراء 7 آلاف فيديو باللغة العربية، لتحميلها على «بنك المعرفة» والمواقع التعليمية التابعة للوزارة، وذلك إضافة إلى المناهج المصرية، وبررت الوزارة تعاقدها ذلك بأنه سيمنح الطالب القدرة على المفاضلة بين المناهج، واختيار ما يناسبه.


المفاجأة الكبرى حول تلك الفيديوهات أنها لم تخضع للمراجعة من قبل الجهات المنوط بها مراجعة المحتويات التعليمية داخل الوزارة قبل عرضها على الطلاب، والتي تتمثل في مكاتب مستشاري المواد وقطاع التعليم العام، والإدارات التابعة له، بجانب قطاع التطوير التكنولوجي والإدارات التابعة له.

وبعيدًا عن القيمة المادية لشراء تلك الفيديوهات، التي لم تعلنها الوزارة كعادتها، باعتبار أنها شأن داخلي لا يهم الرأي العام، فإن التعاقد على تلك الفيديوهات جاء – حسبما أعلنته الوزارة- في إطار تجهيز المدارس الثانوية لاستقبال «التابلت» التعليمي الذي أعلن عنه وزير التعليم قبل بدء العام الدراسي الجاري، ولم يتم تسليمه بعد.

والمتعارف عليه هنا أن الإجراء الطبيعي لطرح أي منتج تعليمي يتطلب مراجعته قبل طرحه في الأسواق، ومراجعة المحتوى الرقمي وتقييمه يأتي أسوة بالكتب الخارجية التي يتطلب إصدارها بشكل رسمي الحصول على موافقة من وزارة التربية والتعليم بعد مراجعة محتويات تلك الكتب، ولأن المحتوى الرقمي أخطر فإن مراجعته وتقييمه تكون أولى من مراجعة الكتب الورقية؛ لأن انتشار المحتويات الرقمية يكون على نطاق أوسع، والسيطرة عليها قبل نشرها أسهل من السيطرة عليها بعد نشرها وبثها للطلاب.

كما أن إجازة المحتوى الإلكتروني التعليمي كان يتم من خلال مركز التطوير التكنولوجي والمسمى حاليا بالتعليم الإلكتروني، وآخر مرة تم فيها استخدام هذا الإجراء كان منذ عامين، عندما تمت مراجعة الكتب التفاعلية لدار نهضة مصر، وكان ذلك في عهد وزير التربية والتعليم السابق الدكتور الهلالي الشربيني، حيث تقدمت دار نهضة مصر بمبادرة تقديم الكتب التفاعلية لـ50 مدرسة حكومية مجانًا، بحيث يتم وضع تلك المحتويات على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بتلك المدارس، ليستفيد منها طلاب هذه المدارس بالمجان.

وعندما تقدمت بمبادرتها إلى مكتب وزير التعليم تم تحويل المحتوى إلى إدارة التعليم الإلكتروني – في ذلك التوقيت- لمراجعة المحتوى وإجازته أو رفضه، وبالفعل بعد مراجعة المحتويات المقدمة والأخذ بملاحظات مستشاري المواد تم تعديلها قبل الموافقة على تحميلها على أجهزة الكمبيوتر في المدارس الخمسين التي شملتها المبادرة.

وإذا كانت تلك الإجراءات تتخذ مع جهات مصرية، فإن اتباعها مع شركات أو جهات أجنبية أولى لمراعاة البعد القومي، كما أن مراجعة المحتوى الرقمي من جانب أجهزة الوزارة يأتي لإجازة المنتج أو المحتوى التعليمي من الناحية العلمية والفنية، ويبدأ ذلك الإجراء في المعتاد من خلال إرسال تلك المحتويات إلى إدارة الجودة، والتي تتولى التواصل مع مستشاري المواد، ويتم مراجعة المحتوى على الشاشات لمعرفة مدى مطابقته للمنهج، ثم تجري الوزارة فحصا فنيا ويصدر تقريرًا فنيًا حول تلك المحتويات ويكون مكونًا من شقين (تقني وفني) لمعرفة هل يصلح كمنتج تعليمي للاستخدام من ناحية التقنية ومراعاتها للفئة العمرية.

ومن الناحية الفنية ومدى تطابقه مع القيم والمعايير المصرية، وأنه لا يقدم شيئًا مخالفًا من شأنه التأثير على الطلاب بأي شكل من الأشكال السلبية.

تجدر الإشارة هنا إلى أن ما أعلنت عنه الوزارة مؤخرًا بشأن شراء فيديوهات تعليمية، يطرح العديد من التساؤلات حول طبيعة التعاقدات التي تمت على شراء 7 آلاف فيديو، بعيدًا عن الإجراءات الطبيعية في التعامل مع مثل تلك المنتجات، وهل تتضمن العقود المبرمة للشراء الشروط التي تراعي الضوابط اللازمة لبث محتوى رقمي تعليمي للطلاب المصريين، وهل تمت مراعاة الأبعاد الاجتماعية والأمنية والقومية لتلك المحتويات، وهل راعت أن العملية التعليمية ليست مجرد معلومات أو مهارات يكتسبها الطالب فقط؛ ولكنها أعم وأشمل من ذلك كثيرًا.

كما أن التربية أعم من التعليم، والبعد التربوي لابد وأن يكون حاضرًا عند اختيار أي منتج تعليمي يقدم للطلاب، والتربية لابد وأن تخدم الأهداف القومية للدولة، والخوف أن يكون بعض تلك الفيديوهات يخدم أجندات خاصة بتلك الشركات، أو يخالف الأهداف القومية المصرية، فالأمر لا يقتصر فقط على المعلومات المقدمة لأنه ربما يتم وضع السم في العسل إذا مرت تلك المحتويات دون مراجعة وإجازة من جهات حكومية رسمية، كل ذلك يدعو للمطالبة بالإعلان عن الجهات التي قامت بمراجعة المحتوى العلمي لتلك الفيديوهات وإجازتها.

التساؤلات التي ترددت داخل وزارة التربية والتعليم لم تتوقف عند ذلك الحد؛ بل شملت التساؤل حول: ماذا لو تضمنت بعض الفيديوهات خرائط مغلوطة عن مصر؟.. أو تضمنت إشارات إلى الكيان الصهيوني، أو حتى تضمنت صورًا لعلم إسرائيل، أو غير ذلك من الأفكار التي ربما تخالف التوجهات المصرية، كما حدث قبل ذلك عندما تم اكتشاف وجود كتاب أطلس يتضمن أخطاء فادحة في رسم الخريطة المصرية، وهو ما تم الكشف عنه عام 2016 عندما سلطت وسائل الإعلام الضوء على انتشار كتاب بعنوان «أطلس الناشئة وأطلس الحيوان» والذي تم دخوله إلى مكتبات المدارس الحكومية عن طريق المعونة الأمريكية، وكان يحتوي على خريطة مغلوطة لمصر فيها منطقة حلايب وشلاتين ضمن حدود دولة السودان، إضافة إلى احتوائه على معلومات تزعم بناء معبد ستونهنج بإنجلترا قبل الأهرامات المصرية بألف عام.

وهو الكتاب الذي سعت الوزارة – بعد الكشف عنه- إلى جمعه من مكتبات المدارس، وربما تكون أضرار توزيع مثل هذا الكتاب أقل كثيرًا من نشر فيديو أو محتوى رقمي يتضمن أخطاء شبيهة أو أمورا تهدد الأمن الفكري المصري؛ لأن خطورة المحتويات الرقمية في سهولة نشرها وصعوبة السيطرة عليها بعد أن تصبح متاحة على شبكة الإنترنت.

وإضافة إلى ما سبق فإن «بنك المعرفة» وهو المشروع الإلكتروني الضخم المستهدف أن يكون قبلة للطلاب والمعلمين، يضم العديد من مصادر المعرفة والتي تقدم محتوياتها العلمية من خلاله؛ ولكن إلى الآن لا نعرف الجهات المنوط بها مراجعة تلك المحتويات من النواحي العلمية والفكرية والأمنية، والدكتور طارق شوقي في ذلك مطالب بالكشف عن الجهة المسئولة عن مراجعة أي محتوى يتم بثه للطلاب حتى لا نجد أنفسنا في مواجهة صعبة إذا ما اكتشفنا فيما بعد أي محتوى من المحتويات المبثوثة يتضمن معلومات تهدف إلى طمس التاريخ أو تشويه الهوية المصرية، أو حتى توجيه فكر الطلاب المصريين إلى وجهات بعينها.

كما أن المحتويات الرقمية في مجال التعليم التي يتم شراؤها أسعارها باهظة، وهي تختلف في القيمة المادية من منتج لآخر، ولكل محتوى منها سعر، ويحدد سعر المنتج الإلكتروني إن كان مجرد فيديو صور أم فيديو صور وصوت، وهل هو مجرد فيديو كاميرا، أم فيديو مستخدم فيه تقنية الواقع الافتراضي وهذا الأعلى سعرًا، ونحن بحاجة إلى معرفة مستوى الفيديوهات التي أعلنت عنها وزارة التربية والتعليم؟ وماذا تتضمن من محتويات علمية؟ وما الجهات الحكومية في الدولة التي تقول إن القيمة المدفوعة تساوى تلك المحتويات، وتلك المحتويات تتوافق مع البيئة المصرية ويراعى فيها الاشتراطات السابقة.

"نقلا عن العدد الورقي...."...
الجريدة الرسمية