رئيس التحرير
عصام كامل

طه حسين.. وطارق شوقي.. ومن يخدم الباشوات؟!


مرت ذكرى ميلاد عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين -16 من نوفمبر 1889- دون أن يشعر بها أحد، في الوقت الذي يتم الاحتفاء بهذه القامة العلمية على مستوى العالم في جميع المحافل الثقافية، لأنه ليس مجرد مثقف قدم بعض الاجتهادات في مجال بحثه، لكنه أكبر من هذا بكثير، فهو الأب الشرعي للمشروع الثقافي العربي، هو من أعاد الروح للعقل وأهمية أعماله في كل شيء، اتهم في دينه، وطرد من الجامعة، لكنه كان الجبل الذي لم تؤثر فيه أعتى العواصف والرياح..


وكان خير رد هو العطاء في جميع الاتجاهات، ودون قصد احتفلت مصر بذكرى ميلاد العميد د.طه حسين رسميا عندما أثار وزير التعليم قضية مجانية التعليم وأنها التي أضرت بالتعليم، وقبل أن أناقش ما جاء في كلام السيد الوزير، أقص عليه ما قاله د.طه حسين صوتا وصورة للتليفزيون المصري، عندما سألته المذيعة عن محاولاته المستميتة لإقرار مجانية التعليم في المرحلة الجامعية قبل ثورة يوليو..

قال عميد الأدب العربي (وزير المعارف وقتها): رفض الملك فاروق الفكرة من جذورها رفضا باتا، وحدث اجتماع ثلاثي أنا والأمير محمد علي، ورئيس الوزراء مصطفى النحاس باشا، وعندما عرضت الفكرة وتفاصيلها في محاولة لإقناع الأمير محمد علي، فكان رده: لما الناس كلها تتعلم مين هيخدمنا؟!!

رد مصطفى النحاس باشا: سمو الأمير حضرتك لسه راجع من إيطاليا.. كان في الفندق ناس بتخدمك.. هؤلاء أيضا متعلمون؟!

لم يقتنع الأمير محمد علي بفكرة مجانية التعليم في المرحلة الجامعية حتى لا يتعلم الناس ويتوفر له وللأسرة الحاكمة من يخدمهم في القصور والحانات والمزارع!

لا أعرف تذكرت حديث عميد الأدب العربي وليس بسبب ذكرى ميلاده، لأن في ذكرى ميلاده أتذكر دائما مقولته العبقرية التي أصبحت دستور حياة، التعليم كالماء والهواء، أي ضرورة حياتية على الدولة والمجتمع توفيرها للناس توفر الماء والهواء للحياة، والتعليم في كل العالم مجاني لكن كل دولة تصيغ المجانية بمفهوم يتناسب مع سياسات وفكر وروح المجتمع، فليس ما يناسبني بالضرورة يناسب غيري..

الذي ذكرني بحكاية عميد العربي والأمير محمد علي والنحاس باشا، ما أثاره وزير التربية والتعليم الذي أدعو الله أن يهبنا الصبر ويهبه التوفيق والصلاح ويسمع معارضيه ومنتقديه من أجل الإصلاح الحقيقي، الوزير أعلن أن المجانية أضرت بالتعليم!

أريد أن أضرب مثلا هل الدين سبب شقاء البشرية كما حاول البعض يروج!؟ الإجابة مطلقا، لكن شقاء البشرية من تجار الدين، من رجال دين وهم أبعد الناس عن الدين، إذن المجانية لم تضر التعليم، لكن السبب هم القائمون على رأس المؤسسات التعليمية، الوزراء الفاشلون وكأن الفشل أصبح إرثا يتصارع عليه كل وزير يأتي، المجانية أفرزت فاروق الباز، مجدي يعقوب، حمدي السيد، خيري السمرة، مصطفى السيد، وكل المبدعين على مدى ستين عاما في جميع المجالات..

وإذا كنا نشكو تردي مستوى التعليم فالسبب ليس مجانيته لكن سياسات خاطئة ترسم على مدى ما يقرب من أربعين عاما، من عدم الاهتمام بتطوير دور المعلم، تطوير المناهج، تطوير المدارس، الاهتمام -بجهل- بالإكثار من مدارس اللغات وتعظيم أهمية اللغات بلا مبرر منطقي، إهمال المراجعة الدائمة والتقييم العلمي للعملية التعليمية، إهمال تقييم أداء المعلم والتوسع في الدروس الخصوصية تحت عين وحماية الوزارة (الدولة)..

المجانية ليست كتابا منزلا من السماء لكنها أساس التعليم في كل العالم لكن نحن نمارس شيئا آخر، هجر المدرس دوره في المدرسة، وأهمل مدير المدرسة، ولم تراقب من الجهات العليا، فأصبح الفساد متجذرا في العملية التعليمية، ولا أنسى كلمة د.عبد العزيز حمودة عندما قال: إن الفساد في التعليم أصبح نظاما يقاوم أي إصلاح!

ما ذنب المجانية في كل ما سبق؟ معالي الوزير ينظر فقط للتكلفة المالية، في حين أن أفضل استثمار هو في التعليم، في البشر، لأن التعليم هو من يقود المجتمع إلى التقدم، وكلنا نذكر عندما رفعت أمريكا شعار "أمة في خطر" والسبب أن التعليم في خطر، أمريكا الأقوى في العالم أعلنت أن المشروع القومي الأمريكي هو تطوير التعليم، ليس من قرن مثلا لكنه من عشرات السنين فقط.

معالي الوزير يقول إن فاتورة التعليم 200 مليار جنيه تدفعها الدولة والأهالي، ولا تذهب إلى المكان السليم، وإن الناس يمكنها أن تدفع لأي حد إلا الحكومة!

ألم تسأل لماذا كل هذا؟ لماذا يثق المواطن في السنتر ولا يثق في المدرسة؟ لماذا فاتورة التعليم باهظة؟

لأن الدولة تراجعت عن دورها الحقيقي من متابعة العملية التعليمية، وتأتي بمسئولين ووزراء غير مؤهلين إلا في التصريحات وليتها تصريحات تحترم عقل المواطن البسيط لكنها استفزازية!

والطريف في تصريحات الوزير أن يقول إن الوزارة دورها دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر!.. لا تعليق على هذا الكلام الذي لا يمكن أن يخرج من وزير للتربية والتعليم لكن من وزير الاستثمار أو التضامن.

إنني أوجه من هنا التحية للدكتور معيط وزير المالية الذي قال: الحمد لله أن جاء اليوم لأكون وزيرا وأنا ابن خفير!.. وأذكر وزير التعليم وكل الوزراء لولا مجانية التعليم ما أصبحوا في ما هم عليه.

رحم الله عميد الأدب العربي الذي رفع شعار "التعليم كالماء والهواء" وحارب من أجل تعليم الشعب ولم يتذكره أحد!.
وتحيا مصر..!
الجريدة الرسمية